لأنك إذا قلت فول وجهك شطر المسجد الحرام فقد حصلت الفائدة المطلوبة، أما لو فسرنا الشطر بما ذكرناه كان لذكره فائدة زائدة، فإنه لو قيل: فول وجهك المسجد الحرام لا يفهم منه وجوب التوجه إلى منتصفه الذي هو موضع الكعبة، فلما قيل: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * حصلت هذه الفائدة الزائدة، فكان حمل هذا اللفظ على هذا المحمل أولى فإن قيل: لو حملنا الشطر على الجانب يبقى لذكر الشطر فائدة زائدة، وهي أنه لو قال: فول وجهك المسجد الحرام، لزم تكليف ما لا يطاق، لأن من في أقصى المشرق أو المغرب لا يمكنه أن يولي وجهه المسجد، أما إذا قال: فول وجهك شطر المسجد الحرام، أي جانب المسجد، دخل فيه الحاضرون والغائبون قلنا: هذه الفائدة مستفادة من قوله: * (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * فلا يبقى لقوله: شطر المسجد الحرام زيادة فائدة هذا تقرير هذا الوجه وفيه إشكال لأنه يصير التقدير فول وجهك نصف المسجد وهذا بعيد لأن هذا التكليف لا تعلق له بالنصف، وفرق بين النصف وبين الموضع الذي عليه يقبل التنصيف والكلام إنما يستقيم لو حمل على الثاني، إلا أن اللفظ لا يدل عليه، وقد اختلفوا في أن المراد من المسجد الحرام أي شيء هو؟ فحكي في كتاب " شرح السنة " عن ابن عباس أنه قال: البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل المشرق والمغرب وهذا قول مالك. وقال آخرون: القبلة هي الكعبة والدليل عليه ما أخرج في الصحيحين عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، قال: أخبرني أسامة بن زيد، قال لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج صلى ركعتين في قبل الكعبة وقال: هذه القبلة، قال القفال: وقد وردت الأخبار الكثيرة في صرف القبلة إلى الكعبة، وفي خبر البراء بن عازب: ثم صرف إلى الكعبة وكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة وفي خبر ابن عمر في صلاة أهل قباء: فأتاهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حول إلى الكعبة وفي رواية ثمامة بن عبد الله بن أنس: جاء منادي رسول الله فنادى: أن القبلة حولت إلى الكعبة وهكذا عامة الروايات وقال آخرون: بل المراد المسجد الحرام كله، قالوا: لأن الكلام يجب إجراؤه على ظاهر لفظه إلا إذا منع منه مانع، وقال آخرون: المراد من المسجد الحرام الحرم كله والدليل عليه قوله تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) * (الإسراء: 1) وهو عليه الصلاة والسلام إنما أسرى به خارج المسجد، فدل هذا على أن الحرم كله مسمى بالمسجد الحرام.
المسألة الثالثة: قال صاحب التهذيب: الجماعة إذا صلوا في المسجد الحرام يستحب أن يقف