قلنا: الطاعة إنما أفاد قبولها استحقاق الثواب، لأنه لا يستحق بها سواه وهو الغرض بفعلها وليس كذلك التوبة لأنها موضوعة لاسقاط العقاب، وهو الغرض بفعلها، وإن كان لا بد من أن يستحق بها الثواب إذا لم يكن مخطئا، ومعنى قوله: * (وأنا التواب) * القابل لتوبة كل ذي توبة فهو مبالغة في هذا الباب، ومعنى الرحيم عقيب ذلك: التنبيه على أنه لرحمته بالمكلفين من عباده، يقبل توبتهم بعد التفريط العظيم منهم.
* (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) * اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى: أن ظاهر قوله تعالى: * (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) * عام في حق كل من كان كذلك فلا وجه لتخصيصه ببعض من كان كذلك، وقال أبو مسلم: يجب حمله على الذين تقدم ذكرهم، وهم الذين يكتمون الآيات، واحتج عليه بأنه تعالى لما ذكر حال الذين يكتمون، ثم ذكر حال التائبين منهم، ذكر أيضا حال من يموت منهم من غير توبة، وأيضا أنه تعالى لما ذكر أن أولئك الكاتمين ملعونون حال الحياة، بين في هذه الآية أنهم ملعونون أيضا بعد الممات. والجواب عنه: أن هذا إنما يصح متى كان الذين يموتون من غير توبة لا يكونون داخلين تحت الآية الأولى، فأما إذا دخلوا تحت الأولى: استغنى عن ذكرهم فيجب حمل الكلام على أمر مستأنف.
المسألة الثانية؛ لما ذكر في الكلام أنه إذا مات على كفره صار الوعيد لازما من غير شرط ولما كان المعلق على الشرط عدما عند عدم الشرط؛ علمنا أن الكافر إذا تاب قبل الموت لم يكن حاله كذلك.
المسألة الثالثة: إن قيل: كيف يلعنه الناس أجمعون، وأهل دينه لا يلعنونه؟ قلنا الجواب عنه من وجوه. أحدها: أن أهل دينه يلعنونه في الآخرة، لقوله تعالى: * (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) * (العنكبوت: 25). وثانيها: قال قتادة والربيع: أراد بالناس أجمعين