واحد في صلاته إلى ناحية أخرى، لكان ذلك يوهم اختلافا ظاهرا، فعين الله تعالى لهم جهة معلومة، وأمرهم جميعا بالتوجه نحوها، ليحصل لهم الموافقة بسبب ذلك، وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحب الموافقة بين عباده في أعمال الخير. ورابعها: أن الله تعالى خص الكعبة بإضافتها إليه في قوله: * (بيتي) * وخص المؤمنين بإضافتهم بصفة العبودية إليه، وكلتا الإضافتين للتخصيص والتكريم فكأنه تعالى قال: يا مؤمن أنت عبدي، والكعبة بيتي، والصلاة خدمتي، فأقبل بوجهك في خدمتي إلى بيتي، وبقلبك إلي. وخامسها: قال بعض المشايخ: إن اليهود استقبلوا القبلة لأن النداء لموسى عليه السلام جاء منه، وذلك قوله: * (وما كنت بجانب الغربي) * (القصص: 44) الآية، والنصارى استقبلوا المغرب، لأن جبريل عليه السلام إنما ذهب إلى مريم عليها السلام من جانب المشرق، لقوله تعالى: * (واذكرا في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا) * (مريم: 16) والمؤمنون استقبلوا الكعبة لأنها قبلة خليل الله، ومولد حبيب الله، وهي موضع حرم الله، وكان بعضهم يقول: استقبلت النصارى مطلع الأنوار، وقد استقبلنا مطلع سيد الأنوار، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فمن نوره خلقت الأنوار جميعا. وسادسها: قالوا: الكعبة سرة الأرض ووسطها، فأمر الله تعالى جميع خلقه بالتوجه إلى وسط الأرض في صلاتهم، وهو إشارة إلى أنه يجب العدل في كل شيء، ولأجله جعل وسط الأرض قبلة للخلق. وسابعها: أنه تعالى أظهر حبه لمحمد عليه الصلاة والسلام بواسطة أمره باستقبال الكعبة، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان يتمنى ذلك مدة لأجل مخالفة اليهود، فأنزل الله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * (البقرة: 144) الآية، وفي الشاهد إذا وصف واحد من الناس بمحبة آخر قالوا: فلان يحول القبلة لأجل فلان على جهة التمثيل، فالله تعالى قد حول القبلة لأجل حبيبه محمد عليه الصلاة والسلام على جهة التحقيق، وقال: * (فلنولينك قبلة ترضاها) * (البقرة: 144) ولم يقل قبلة أرضاها، والإشارة فيه كأنه تعالى قال: يا محمد كل أحد يطلب رضاي وأنا أطلب رضاك في الدارين، أما في الدنيا فهذا الذي ذكرناه وأما في الآخرة فقوله تعالى: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) * (الضحى: 5) وفيه إشارة أيضا إلى شرف الفقراء: * (فتطردهم فتكون من الظالمين) * (الأنعام: 52) وقال في الإعراض عن القبلة: * (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين) * فكأنه تعالى قال: الكعبة قبلة وجهك، والفقراء قبلة رحمتي، فإعراضك عن قبلة وجهك، يوجب كونك ظالما، فالأعراض عن قبلة رحمتي كيف يكون. وثامنها: العرش قبلة الحملة، والكرسي قبلة البررة، والبيت المعمور قبلة السفرة، والكعبة قبلة المؤمنين، والحق قبلة
(١٠٦)