فلا، ثم قال للرسول: (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل) أي: لا طاقة (لهم بها ولنخرجنهم منها) يعني بلدتهم. فلما رجعت رسلها إليها بالخبر، قالت: قد علمت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة، فبعثت إليه، إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما تدعو إليه، ثم أمرت بعرشها فجعل وراء سبعة أبواب، ووكلت به حرسا يحفظونه، وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف ملك، تحت يدي كل ملك ألوف. وكان سليمان مهيبا لا يبتدء بشئ حتى يسأل عنه، فجلس يوما على سرير ملكه فرأى رهجا قريبا منه، فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس قد نزلت بهذا المكان، وكان قدر فرسخ، وقد كان بلغه أنها احتاطت على عرشها قبل خروجها، (فقال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها) وفي سبب طلبه له خمسة أقوال:
أحدها: ليعلم صدق الهدهد، قاله ابن عباس.
والثاني: ليجعل ذلك دليلا على صدق نبوته، لأنها خلفته في دارها واحتاطت عليه، فوجدته قد تقدمها، قاله وهب بن منبه.
والثالث: ليختبر عقلها وفطنتها، أتعرفه أم تنكره، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: لأن صفته أعجبته، فخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها، فأراد أخذه قبل ذلك، قاله قتادة.
والخامس: ليريها قدرة الله تعالى وعظم سلطانه، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: (قال عفريت من الجن) قال أبو عبيدة: العفريت من كل جن أو إنس: الفائق المبالغ الرئيس. وقال ابن قتيبة: العفريت: الوثيق. وقال الزجاج: العفريت: النافذ في الأمر، المبالغ فيه مع خبث ودهاء.
وقرأ أبي بن كعب، والضحاك، وأبو العالية، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: " قال عفريت " بفتح العين وكسر الراء، وروى ابن أبي شريح عن الكسائي: " عفرية " بفتح الياء وتخفيفها، وروي عنه أيضا تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث. وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع: " عفراة " بكسر