قوم إلى قوم، ولم تكن أمة على عهد نبينا انتقل إليهم كتاب من قوم كانوا قبلهم غير أمته. فإن قلنا: هم الأنبياء وأتباعهم، كان المعنى: أورثنا كل كتاب أنزل على نبي ذلك النبي وأتباعه.
و القول الثاني: أن المراد بالكتاب القرآن. و في معنى " أورثنا " قولان:
أحدهما: أعطينا، لأن الميراث عطاء، قاله مجاهد.
والثاني: أخرنا، ومنه الميراث، لأنه تأخر عن الميت، فالمعنى: أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناه هذه الأمة، إكراما لها، ذكره بعض أهل المعاني.
قوله تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه) فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه صاحب الصغائر، روى عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له ". وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في هذه الآية، قال: " كلهم في الجنة ".
والثاني: أنه الذي مات على كبيرة ولم يتب منها. رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: أنه الكافر، رواه عمرو بن دينار عن ابن عباس، وقد رواه ابن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فعلى هذا يكون الاصطفاء لجملة من أنزل عليه الكتاب، كما قال: (وإنه لذكر لك ولقومك) أي: لشرف لكم، وكم من مكرم لم يقبل الكرامة!
والرابع: أنه المنافق، حكي عن الحسن. وقد روي عن الحسن أنه قال: الظالم: الذي ترجح سيئاته، والمقتصد: الذي قد استوت حسناته وسيئاته، والسابق: من رجحت حسناته.
وروي عن عثمان بن عفان أنه تلا هذه الآية، فقال: سابقنا أهل جهادنا، ومقتصدنا أهل حضرنا، وظالمنا أهل بدونا.
قوله تعالى: (و منهم سابق) (بالخيرات) أي: بالأعمال الصالحة إلى الجنة، أو إلى الرحمة (بإذن الله) أي: بإرادته وأمره (ذلك هو الفضل الكبير) يعني إيراثهم الكتاب.
ثم أخبر بثوابهم، فجمعهم في دخول الجنة فقال: (جنات عدن يدخلونها) قرأ أبو عمرو وحده: " يدخلونها " بضم الياء، وفتحها الباقون، وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: (ولؤلؤا)