ويقال: الحفدة: الرجل يعمل بين يدي الرجل، يقول: فلان يحفد لنا، ويزعم رجال أن الحفدة أختان (1) الرجل.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى أخبر عباده معرفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) فأعلمهم أنه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة، والحفدة في كلام العرب: جمع حافد، كما الكذبة: جمع كاذب، والفسقة: جمع فاسق. والحافد في كلامهم: هو المتخفف في الخدمة والعمل، والحفد: خفة العمل، يقال: مر البعير يحفد حفدانا: إذا مر يسرع في سيره. ومنه قولهم: (إليك نسعى ونحفد):
أي نسرع إلى العمل بطاعتك. يقال منه: حفد له يحفد حفدا وحفودا وحفدانا ومنه قول الراعي:
كلفت مجهولها نوقا يمانية * إذا الحداة على أكسائها حفدوا (2) وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنهم المسرعون في خدمة الرجل المتخففون فيها، وكان الله تعالى ذكره أخبرنا أن مما أنعم به علينا أن جعل لنا حفدة تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الذين يصلحون للخدمة منا ومن غيرنا وأختاننا الذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا وخدمنا ومماليكنا إذا كانوا يحفدوننا فيستحقون اسم حفدة، ولم يكن الله تعالى دل بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله (ص) ولا بحجة عقل، على أنه عنى بذلك نوعا من الحفدة دون نوع منهم، وكان قد أنعم بكل ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجه ذلك إلى من الحفدة دون عام، إلا ما اجتمعت الأمة عليه أنه غير داخل فيهم. وإذا كان ذلك كذلك فلكل الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرنا وجه في الصحة ومخرج في التأويل، وإن كان أولى بالصواب من القول ما اخترنا لما بينا من الدليل.