فإن قال قائل: وكيف قال إبراهيم حين أسكن ابنه مكة إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم وقد رويت في الاخبار التي ذكرتها أن إبراهيم بنى البيت بعد ذلك بمدة؟ قيل: قد قيل في ذلك أقوال قد ذكرتها في سورة البقرة، منها أن معناه: عند بيتك المحرم الذي كان قبل أن ترفعه من الأرض حين رفعته أيام الطوفان، ومنها: عند بيتك المحرم الذي قد مضى في سابق علمك أنه يحدث في هذا البلد. وقوله المحرم على ما قاله قتادة معناه: المحرم من استحلال حرمات الله فيه، والاستخفاف بحقه. وقوله:
ربنا ليقيموا الصلاة يقول: فعلت ذلك يا ربنا كي تؤدي فرائضك من الصلاة التي أوجبتها عليهم في بيتك المحرم. وقوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم يخبر بذلك تعالى ذكره عن خليله إبراهيم أنه سأله في دعائه أن يجعل قلوب بعض خلقه تنزع إلى مساكن ذريته الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم. وذلك منه دعاء لهم بأن يرزقهم حج بيته الحرام كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: أفئدة من الناس تهوي إليهم ولو قال: أفئدة الناس تهوي إليهم لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه قال: أفئدة من الناس تهوي إليهم فهم المسلمون.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم قال: لو كانت أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم، ولكنه أفئدة من الناس.
حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد:
فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم قال: لو قال: أفئدة الناس تهوي إليهم، لازدحمت عليهم فارس والروم.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي، يعني بن الجعد، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سألت عكرمة عن هذه الآية: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فقال:
قلوبهم تهوي إلى البيت.