وقوله: وذكرهم بأيام الله يقول عز وجل: وعظهم بما سلف من نعمي عليهم في الأيام التي خلت. فاجتزئ بذكر الأيام من ذكر النعم التي عناها، لأنها أيام كانت معلومة عندهم، أنعم الله عليهم فيها نعما جليلة، أنقذهم فيها من آل فرعون بعد ما كانوا فيما كانوا من العذاب المهين، وغرق عدوهم فرعون وقومه، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم.
وكان بعض أهل العربية يقول: معناه: خوفهم بما نزل بعاد وثمود وأشباههم من العذاب، وبالعفو عن الآخرين. قال: وهو في المعنى كقولك: خذهم بالشدة واللين. وقال آخرون منهم: قد وجدنا لتسمية النعم بالأيام شاهدا في كلامهم. ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غر طوال * عصينا الملك فيها أن ندينا وقال: فقد يكون إنما جعلها غرا طوالا لانعامهم على الناس فيها. وقال: فهذا شاهد لمن قال: وذكرهم بأيام الله بنعم الله. ثم قال: وقد يكون تسميتها غرا، لعلوهم على الملك وامتناعهم منه، فأيامهم غر لهم وطوال على أعدائهم.
قال أبو جعفر: وليس للذي قال هذا القول، من أن في هذا البيت دليلا على أن الأيام معناها النعم وجه، لان عمرو بن كلثوم إنما وصف ما وصف من الأيام بأنها غر، لعز عشيرته فيها، وامتناعهم على الملك من الاذعان له بالطاعة، وذلك كقول الناس: ما كان لفلان قط يوم أبيض، يعنون بذلك: أنه لم يكن له يوم مذكور بخير. وأما وصفه إياها بالطول، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدة، كما قال النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب