معنى أمره نصيبه المفروض من عباد الله بتغيير ما خلق الله من دينه، ولا معنى لتوجيه من وجه قوله: * (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * إلى أنه وعد الامر بتغيير بعض ما نهى الله عنه دون بعض، أو بعض ما أمر به دون بعض. فإذ كان الذي وجه معنى ذلك إلى الخصاء والوشم دون غيره، إنما فعل ذلك لان معناه: كان عنده أنه عنى به تغيير الأجسام، فإن في قوله جل ثناؤه إخبارا عن قيل الشيطان: * (ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام) * ما ينبئ أن معنى ذلك غير ما ذهب إليه، لان تبتيك آذان الانعام من تغيير خلق الله، الذي هو أجسام.
وقد مضى الخبر عنه أنه وعد الامر بتغيير خلق الله من الأجسام مفسرا، فلا وجه لإعادة الخبر عنه به مجملا، إذ كان الفصيح في كلام العرب أن يترجم عن المجمل من الكلام بالمفسر وبالخاص عن العام دون الترجمة عن المفسر بالمجمل، وبالعام عن الخاص، وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام وأولى من توجيه إلى غيره ما وجد إليه السبيل.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) *.
وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن حال نصيب الشيطان المفروض من الذين شاقوا الله ورسوله من بعد ما تبين لهم الهدى، يقول الله: ومن يتبع الشيطان فيطيعه في معصية الله، وخلاف أمره، ويواليه فيتخذه وليا لنفسه ونصيرا دون الله، * (فقد خسر خسرانا مبينا) * يقول: فقد هلك هلاكا، وبخس نفسه حظها فأوبقها بخسا مبينا يبين عن عطبه وهلاكه، لان الشيطان لا يملك له نصرا من الله إذا عاقبه على معصيته إياه في خلافه أمره، بل يخذله عند حاجته إليه. وإنما حاله معه ما دام حيا ممهلا بالعقوبة، كما وصفه الله جل ثناؤه بقوله: * (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * يعني بذلك جل ثناؤه: يعد الشيطان المريد أولياءه، الذين هم نصيبه المفروض أن يكون لهم نصيرا ممن أرادهم بسوء، وظهيرا لهم عليه، يمنعهم منه ويدافع عنهم، ويمينهم الظفر على من حاول مكروههم والفلج عليهم. ثم قال: * (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * يقول: وما يعد الشيطان أولياءه الذين اتخذوه وليا من دون الله إلا غرورا، يعني: إلا باطلا. وإنما جعل عدته إياهم جل ثناؤه ما وعدهم غرورا، لأنهم كانوا يحسبون أنهم في اتخاذهم إياه وليا على حقيقته من عداته الكاذبة وأمانيه الباطلة، حتى إذا حصحص الحق وصاروا إلى الحاجة إليه، قال لهم عدو