وقت قائلة الناس، واستراحتهم من مطالبهم في أوقات شدة الحر، وامتداد ساعات النهار، ووقت توديع (1) النفوس، والتفرغ لراحة الأبدان في أوان البرد وأيام الشتاء، وأن المعروف من الأوقات لتصرف الناس في مطالبهم ومكاسبهم والاشتغال بسعيهم لما لابد منه لهم من طلب أقواتهم وقتان من النهار: أحدهما أول النهار بعد طلوع الشمس إلى وقت الهاجرة، وقد خفف الله تعالى ذكره فيه عن عباده عب تكليفهم في ذلك الوقت، وثقل ما يشغلهم عن سعيهم في مطالبهم ومكاسبهم، وإن كان قد حثهم في كتابه وعلى لسان رسوله في ذلك الوقت على صلاة ووعدهم عليها الجزيل من ثوابه، من غير أن يفرضها عليهم، وهي صلاة الضحى. والاخر منهما آخر النهار، وذلك من بعد إبراد الناس، وإمكان التصرف، وطلب المعاش صيفا وشتاء إلى وقت مغيب الشمس وفرض عليهم فيه صلاة العصر، ثم حث على المحافظة عليها لئلا يضيعوها لما علم من إيثار عباده أسباب عاجل دنياهم وطلب معايشهم فيها على أسباب آجل آخرتهم، بما حثهم به عليه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ووعدهم من جزيل ثوابه على المحافظة عليها ما قد ذكرت بعضه في كتابنا هذا.
وسنذكر باقيه في كتابنا الأكبر إن شاء الله من كتاب أحكام الشرائع. وإنما قيل لها الوسطى : لتوسطها الصلوات المكتوبات الخمس، وذلك أن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين، وهي بين ذلك وسطاهن، والوسطى: الفعلي من قول القائل: وسطت القوم أسطهم سطة ووسوطا: إذا دخلت وسطهم، ويقال للذكر فيه: هو أوسطنا، وللأنثى هي وسطانا.
القول في تأويل قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين).
اختلف أهل التأويل في معنى قوله (قانتين) فقال بعضهم: معنى القنوت:
الطاعة، ومعنى ذلك: وقوموا لله في صلاتكم، مطيعين له فيما أمركم به فيها ونهاكم عنه.
ذكر من قال ذلك:
4282 - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن عون، عن الشعبي في قوله: (وقوموا لله قانتين) قال: مطيعين.
* - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، عن ابن عون، عن الشعبي، مثله.