ساحة القتال، فيلقون خطبا تثيرهم وتقوي من معنوياتهم وتحذرهم من الهزيمة والجبن.
غاية ما في الأمر أن مثل مسألة الترغيب والتشويق إلى القتال محدودة في المدارس المادية، ولكنها واسعة في الأديان السماوية، نظرا للتعاليم الربانية، وتأثير الإيمان بالله، والتذكير بمنزلة الشهداء عند ربهم ومقامهم عنده، وما ينتظرهم من الثواب الجزيل البعيد المدى، وما سينالونه من العزة والفخر عند انتصارهم، فكل ذلك يحرك روح البطولة والثبات في نفوس الجنود، فتلاوة بعض آيات القرآن في الحروب الإسلامية تشحذ الجندي عزما وقوة وإقداما لا حدود له، ويتقد فيه الشوق والعشق للتضحية والفداء.
وعلى كل حال، فإن الآية توضح أهمية الإعلام والتبليغ وشحذ همم المقاتلين والجنود ومعنوياتهم باعتبار ذلك تعليما إسلاميا مهما.
وتعقب الآية بالتعليم الثاني فتقول: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا.
وبالرغم من أن الآية في صورة إخبار عن غلبة الرجل على عشرة، لكن بقرينة الآية بعدها الآن خفف الله عنكم يتضح أن المراد من ذلك هو تعيين الحكم أو الوظيفة والخطة والمنهج، لا أنه مجرد خبر وهكذا فينبغي للمسلمين أن لا ينتظروا حتى يبلغ عددهم مقدارا يكافئ قوة العدو وأفراده، ليتحركوا إلى ساحة القتال والجهاد، بل يجب عليهم القيام بواجباتهم حتى إذا كان عدوهم عشرة أضعافهم.
ثم تشير الآية إلى علة هذا الحكم فتقول: ذلك بأنهم قوم لا يفقهون وهذا التعليل يبدو عجيبا لأول وهلة، إذ ما هي العلاقة بين المعرفة والفقاهة وبين النصر أو بين عدم المعرفة والهزيمة؟! لكن الواقع هو أن العلاقة بينهما قريبة ومتينة، لأن المؤمنين يعرفون نهجهم الذي سلكوه ويدركون الهدف من خلقهم وإيجادهم،