وحشية وإجراما، والأمر الوحيد الذي أمكن بسببه قلع تلك الجذور الفاسدة من أصولها، هو إحداث ثورة عارمة وتغيير شامل في الأفكار والأرواح والعقائد، ثورة تصنع تحولا في شخصياتهم وتبدل أساليب تفكيرهم، وترفعهم عن الحضيض الذي كانوا فيه، لتتجلى لهم أعمالهم السابقة في وجهها الكالح القبيح، فيطهروا بذلك أنفسهم، ويدرأوا عنها الأحقاد والأوساخ والعصبية القبلية العمياء.
وهذه أمور لا يمكن إيجادها بالثروة ولا بالمال، بل في ظلال الإيمان والتوحيد الخالص فحسب.
وتضيف الآية معقبة في الختام إنه عزيز حكيم.
فعزته تقتضي عجز الآخرين من الوقوف في مواجهته، وحكمته تقتضي أن تكون كل أموره جارية وفق حساب دقيق ونظام صحيح، ولهذا فإن الخطة الدقيقة وحدت القلوب المتنافرة المتفرقة وجعلتها تنصاع للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لينشروا أنوار الهداية في كل أرجاء العالم.
* * * ملاحظتان 1 - قال بعض المفسرين: إن الآية محل البحث تشير إلى الخلافات بين الأوس والخزرج، الذين هم من الأنصار فحسب، ولكن نظرا إلى أن المهاجرين والأنصار نهضوا جميعا لنصرة النبي فيتضح اتساع مفهوم الآية.
ولعل أولئك كانوا يتصورون أن الخلافات كانت قائمة بين الأوس والخزرج دون غيرهم، مع أنه كانت اختلافات كثيرة في المستويات الطبقية والاجتماعية بين الفقراء والأغنياء، والكبار والصغار، بين هذه القبيلة وتلك، تلك الخلافات و " الانشقاقات " أذهبها الإسلام ومحا آثارها، كما يقول القرآن الكريم في مكان