وقد أتى بين المبتدأ والخبر بجملة معترضة (1). توضح الكثير من الإبهامات إذ يقول: لا نكلف نفسا إلا وسعها.
وهذه الجملة تؤكد بأنه لا ينبغي لأحد أن يتصور بأن الايمان بالله، والإتيان بالعمل الصالح وسلوك سبيل المؤمنين، أمر متعسر غير مقدور إلا لأفراد معدودين، لأن التكاليف الإلهية في حدود الطاقة البشرية وليست أكثر منها، وبهذا فتح الطريق في وجه كل أحد عالما كان أو جاهلا، صغيرا كان أو كبيرا، ودعا الجميع إلى اللحاق بهذا الصف، فالمطلوب من كل أحد العمل بمقدار قابليته الفكرية والبدنية وإمكانياته.
إن هذه الآية - مثل سائر الآيات القرآنية - تحصر وسيلة النجاة والسعادة الأبدية في الإيمان والعمل الصالح، وهكذا تفند العقيدة النصرانية المحرفة الذين يعتبرون صلب المسيح في مقابل ذنوب البشر وسيلة للنجاة، ويقولون: إنه قربان لخطايا الإنسانية.
إن إصرار القرآن الكريم على مسألة الإيمان والعمل الصالح، في الآيات المختلفة لتفنيد هذه المقولة وأمثالها.
وفي الآية اللاحقة أشار تعالى إلى واحدة من أهم النعم التي أعطاها الله سبحانه لأهل الجنة، والتي تكون سببا لطمأنينتهم النفسية وسكنتهم الروحية، إذ قال ونزعنا ما في صدورهم من غل.
و (الغل) في الأصل بمعنى نفوذ الشئ خفية وسرا، ولهذا يقال للحسد والحقد والعداوة، الذي يتسلل إلى النفس الإنسانية بصورة خفية (الغل)، وإنما يطلق " الغلول " على الرشوة بهذه المناسبة لأنها تؤخذ خفية وسرا لارتكاب