الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن يخلف في غيبته شخصية قوية يمكنه أن يحفظ هذا المركز الحساس، ولم تكن هذه الشخصية سوى علي (عليه السلام).
الإشكال الثاني: نحن نعلم - كما اشتهر في كتب التاريخ أيضا - أن هارون توفي في عصر موسى (عليه السلام) نفسه، ولهذا لا يثبت التشبيه بهارون أن عليا (عليه السلام) خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولعل هذا هو أهم إشكال أورد على هذا البحث والتمسك به، ولكن جملة " إلا أنه لا نبي بعدي " تجيب على هذا الإشكال بوضوح، لأنه إذا كان كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، خاصا بزمان حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كانت هناك ضرورة إلى جملة " إلا أنه لا نبي بعدي " لأنه إذا اختص هذا الكلام بزمان حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان التحدث حول من يأتي بعده غير مناسب أبدا (إذ يكون لهذا الاستثناء - كما اصطلح في العربية - طابع الاستثناء المنقطع الذي هو خلاف الظاهر).
وعلى هذا الأساس يكشف وجود هذا الاستثناء - بجلاء - أن كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ناظر إلى مرحلة ما بعد وفاته، غاية ما هنالك ولكي لا يلتبس الأمر، و لا يعتبر أحد عليا (عليه السلام) نبيا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن لك جميع هذه المنازل ولكنك لن تكون نبيا بعدي.
فيكون مفهوم كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أن لك جميع ما لهارون من المناصب والمنازل، لا في حياتي فقط، بل أن هذه المنازل تظل مستمرة وباقية لك إلا مقام النبوة.
وبهذه الطريقة يتضح أن تشبيه علي (عليه السلام) بهارون، إنما هو من حيث المنازل والمناصب، لا من حيث مدة استمرار هذه المنازل والمناصب، ولو أن هارون كان يبقى حيا لكان يتمتع بمقام الخلافة لموسى ومقام النبوة معا.
ومع ملاحظة أن هارون كان له - حسب صريح القرآن - مقام الوزارة