استخدام هذين التعليمين، وبدل أن يستفيد من نعمة اللباس والغذاء الصحيح بالشكل المعقول والمعتدل، يسلك سبيل الإسراف والتبذير والبذخ، لهذا أضاف مباشرة قائلا: ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين.
وكلمة " الإسراف " كلمة جامعة جدا بحيث تشمل كل إفراط في الكم والكيف، وكذا الأعمال العابثة والإتلاف وما شابه ذلك، وهذا هو أسلوب القرآن خاصة، فهو عند الحث على الاستفادة من مواهب الحياة والطبيعة يحذر فورا من سوء استخدامها، ويوصي برعاية الاعتدال.
وفي الآية اللاحقة يعمد إلى الرد - بلهجة أكثر حدة - على من يظن أن تحريم أنواع الزينة والتزين والاجتناب من الأطعمة الطيبة الحلال علامة الزهد، وسببا للتقرب إلى الله فيقول: أيها النبي قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟
إذا كانت هذه الأمور قبيحة فإن الله تعالى لا يخلق القبيح، وإذا خلقها الله ليتمتع بها عباده فكيف يمكن أن يحرمها؟ وهل يمكن أن يكون هناك تناقض بين جهاز الخلق، وبين التعاليم الدينية؟!
ثم أضاف للتأكيد: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة أي أن هذه النعم والمواهب قد خلقت للمؤمنين في هذه الحياة، وإن كان الآخرون - أيضا - يستفيدون منها رغم عدم صلاحيتهم لذلك، ولكن في يوم القيامة حيث الحياة الأعلى والأفضل، وحيث يتميز الخبيث عن الطيب، فإن هذه المواهب والنعم ستوضع تحت تصرف المؤمنين الصالحين فقط، ويحرم منها الآخرون حرمانا كليا.
وعلى هذا الأساس فإن ما هو للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وخاص بهم في العالم الآخر كيف يمكن أن يحرم عليهم؟ إن الحرام هو ما يورث مفسدة، لا ما هو نعمة وموهبة.