به يخرج الأشياء من العدم، فإذا كانت تلك الرحمة تسع كل شئ، فهو تعالى مخزن هذه الرحمة الواسعة، ومعدن تلك النعمة الوازعة، وهو الوجود، وما يشابه ذلك من العناوين الأخر الحاكية عن تلك الواقعية.
إن قلت: الرحمة هي رقة القلب أو الغفران وما شابه ذلك، وأين هذا من ذاك؟!
قلت: نعم، إلا أن المقرر في السابق هو أن هذه الألفاظ القاصرة بحسب الدلالة، كافية لإفادة المعاني الراقية الألوهية على الكناية والتوسع، فإذا قيل: " وبرحمتك التي وسعت كل شئ " (1) ينتقل المخاطب والسامع إلى أن رأفته ورقته وغفرانه وسع كل شئ، إلا أن رأفة كل شئ بحسبه وعلى الوجه المناسب معه، فهو تعالى إذا قيل: غافر كل شئ، فلابد وأن يراد من الغفران هو التجاوز عن السيئة، ويراد من السيئة خطيئة العدم، فإنه من الخطيئات أيضا.
فبالجملة: فهم ذلك من ذاك موكول إلى عقول البشر، وكيفية إدراكهم للحقائق ما يليق بحضرته الربوبية، من غير لزوم كون الاستعمالات حقيقة، كما عرفت تفصيله، ومن غير الالتزام بأنه تعالى لا يوصف بذلك ولا بما هو المكنى عنه، بل هو تعالى يوصف بالرحمة التي لازم رقة القلب في الخلق، من غير نظر إلى إثبات الرقة له تعالى، حتى يكون من الأوصاف الانفعالية الناقصة التي يتنزه عنها هو تعالى وتقدس، فلا تخلط وكن على بصيرة من أمرك.