له تعالى بنحو الأعلى والأشرف، فهو صرف النور والعلم والقدرة والحياة... وهكذا، ومن ذلك الرحمة فإنه تعالى صرف الرحمة والرأفة، لأن الرحمة هي الوجود، لا الأمر الآخر، لأنها هي التي وسعت كل شئ حتى نقيضه، وهل يعقل أن تكون رحمته واسعة كل شئ، ولا يكون هو تعالى موصوفا بها؟! فهل يمكن للعقل ترخيص ذلك، فيعطي كل شئ رحمة، وهو لا يكون موصوفا به؟!
فإذا كان هو تعالى كذلك، وكان معنى الرحمة هو الوجود، فهو تعالى نفس الرحمة، لأنه تعالى نفس الوجود وصرف التحقق والواقعية، ولا نبالي بأن نقول:
إن مفهوم الرحمة غير مفهوم الوجود في عالم المفهومية كالقدرة والعلم، لكنهما متساوقان في حقه تعالى، أي لا يصدق أحدهما إلا ويصدق الآخر، وإن كان وجه الصدق مختلفا بحسب الاعتبار.
ومن هنا تندفع شبهة وهمية في المقام: وهي أنه كيف يمكن توصيفه تعالى بها، بأن يكون ذلك صفة ذاتية له، لا بأن يكون الرحمة صادرة عنه، فإنه يمكن توصيفه بها لأجل صدورها منه، كما يقال لزيد: إنه تأمر لابن باعتبار التمر واللبن، كذلك هو " الرحمن والرحيم " باعتبار صدور الرحمة منه تعالى، لا باعتبار ذاتية الرحمة له تعالى وعينيتها معه في الذات كسائر الصفات الذاتية.
وجه الاندفاع: أن الرحمة بمعنى الغفران غير الرحمة الواسعة كل شئ، فإنها ليست هي الغفران، وما لا يمكن هو الأول دون الثاني، لأن الرحمة الواسعة كل شئ، لا يتصور لها معنى إلا ما هو قوام كل شئ وما