ونحن قد بسطنا البحث حول هذه المسائل في موسوعتنا الأصولية (1)، ولمكان أن المفسر لابد أن لا يتجاوز عن مقصوده، ولا ينظر في بعض الفنون - التي من المبادئ التصورية أو التصديقية لهذا العلم الشريف - نظرا ينتهي إليه مرامه، أشرنا إلى هذا النموذج الإجمالي، ونعتذر.
وإن شئت قلت: إن علم التفسير علم طويل سلمه، سميكة أفلاكه وأنجمه، بعيد الغور، غريب الطور، ذو سبل فجاج، متفنن الطرق في الاستقامة والاعوجاج، قلما اهتدى إلى أغواره إلا واحد بعد واحد، لأن كلام الكبرياء أجل من أن يكون شريعة لكل وارد، وقليل من الناس وصلوا إلى أسراره وهم مع ذلك ينادون من مكان بعيد، إذ موضوع هذا العلم - وهو القرآن - ليس له حد يقف إليه الأفهام، وليس كغيره من كلام الأنام، وإنما هو مقال الملك العلام ذو عبارات للعلماء وإشارات وحقائق للأولياء ولطائف للأنبياء، بل هو بحر لجي في قعره درر، وفي ظاهره خبر، والناس في التقاط درره والوصول إلى خبره على مراتب متفاوتة.
ومن أجل ذلك جاءت التفاسير مختلفة حسب اختلاف أهلها: فمنها ما يغلب عليه العربية والعلوم الأدبية من الإعراب والبيان، ومنها ما يغلب عليه المجادلات الكلامية مما ظنوها من الحكمة والبرهان، ومنها ما يغلب عليه القصص والسير، ومنها ما يغلب عليه نقل الأحاديث والخبر، ومنها ما يغلب عليه التأويلات البعيدة وبيانات غريبة عجيبة، لأنهم لم يأخذوا التفاسير من مشكاة النبوة والولاية.