القيام المنهى عنه أن يقام عليه وهو جالس وقد رد ابن القيم في حاشية السنن على هذا القول بأن سياق حديث معاوية يدل على خلاف ذلك وانما يدل على أنه كره القيام له لما خرج تعظيما ولان هذا لا يقال له القيام للرجل وإنما هو القيام على رأس الرجل أو عند الرجل قال والقيام ينقسم إلى ثلاث مراتب قيام على رأس الرجل وهو فعل الجبابرة وقيام إليه عند قدومه ولا بأس به وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه (قلت) وورد في خصوص القيام على رأس الكبير الجالس ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس قال إنما هلك من كان قبلكم بأنهم عظموا ملوكهم بأن قاموا وهم قعود ثم حكى المنذري قول الطبري وأنه قصر النهي على من سره القيام له لما في ذلك من محبة التعاظم ورؤية منزلة نفسه وسيأتي ترجيح النووي لهذا القول ثم نقل المنذري عن بعض من منع ذلك مطلقا أنه رد الحجة بقصة سعد بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه كان مريضا قال وفي ذلك نظر (قلت) كأنه لم يقف على مستند هذا القائل وقد وقع في مسند عائشة عند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ ومجيئه مطولا وفيه قال أبو سعيد فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فأنزلوه وسنده حسن وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه وقد احتج به النووي في كتاب القيام ونقل عن البخاري ومسلم وأبي داود أنهم احتجوا به ولفظ مسلم لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثا أصح من هذا وقد اعترض عليه الشيخ أبو عبد الله بن الحاج فقال ما ملخصه لو كان القيام المأمور به لسعد هو المتنازع فيه لما خص به الأنصار فإن الأصل في أفعال القرب التعميم ولو كان القيام لسعد على سبيل البر والاكرام لكان هو صلى الله عليه وسلم أول من فعله وأمر به من حضر من أكابر الصحابة فلما لم يأمر به ولا فعله ولا فعلوه دل ذلك على أن الامر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع وإنما هو لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض كما جاء في بعض الروايات ولان عادة العرب أن القبيلة تخدم كبيرها فلذلك خص الأنصار بذلك دون المهاجرين مع أن المراد بعض الأنصار لا كلهم وهم الأوس منهم لان سعد بن معاذ كان سيدهم دون الخزرج وعلى تقدير تسليم أن القيام المأمور به حينئذ لم يكن للإعانة فليس هو المتنازع فيه بل لأنه غائب قدم والقيام للغائب إذا قدم مشروع قال ويحتمل أن يكون القيام المذكور إنما هو لتهنئته بما حصل له من تلك المنزلة الرفيعة من تحكيمه والرضا بما يحكم به والقيام لأجل التهنئة مشروع أيضا ثم نقل عن أبي الوليد بن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه الأول محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه والثاني مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة والثالث جائز وهو أن يقع على سبيل البر والاكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة والرابع مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها وقال التوربشتي في شرح المصابيح معنى قوله قوموا إلى سيدكم أي إلى اعانته وانزاله من دابته ولو كان المراد التعظيم لقال قوموا لسيدكم وتعقبه الطيبي بأنه لا يلزم من كونه ليس للتعظيم أن لا يكون للاكرام وما اعتل به من الفرق بين إلى واللام ضعيف لان إلى في هذا
(٤٣)