ويؤخذ منه أنهم إذا كانوا أربعة لم يمتنع تناجي اثنين لامكان أن يتناجى الاثنان الآخران وقد ورد ذلك صريحا فيما أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأبو داود وصححه ابن حبان من طريق أبي صالح عن ابن عمر رفعه قلت فان كانوا أربعة قال لا يضره وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار كان ابن عمر إذا أراد أن يسارر رجلا وكانوا ثلاثة دعا رابعا ثم قال للاثنين استريحا شيا فإني سمعت فذكر الحديث وفي رواية سفيان في جامعه عن عبد الله بن دينار نحوه ولفظه فكان ابن عمر إذا أراد أن يناجي رجلا دعا آخر ثم ناجى الذي أراد وله من طريق نافع إذا أراد أن يناجي وهم ثلاثة دعا رابعا ويؤخذ من (قوله حتى تختلطوا بالناس أن الزائد على الثلاثة يعني سواء جاء اتفاقا أم عن طلب كما فعل ابن عمر (قوله أجل أن ذلك يحزنه) أي من أجل وكذا هو في الأدب المفرد بالاسناد الذي في الصحيح بزيادة من قال الخطابي قد نطقوا بهذا اللفظ بإسقاط من وذكر لذلك شاهدا ويجوز كسر همزة إن ذلك والمشهور فتحها قال وانما قال يحزنه لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له (قلت) ويؤخذ من التعليل استثناء صورة مما تقدم عن ابن عمر من إطلاق الجواز إذا كانوا أربعة وهي مما لو كان بين الواحد الباقي وبين الاثنين مقاطعة بسبب يغدران به أو أحدهما فإنه يصير في معنى المنفرد وأرشد هذا التعليل إلى أن المناجى إذا كان ممن إذا خص أحدا بمناجاته أحزن الباقين امتناع ذلك إلا أن يكون في أمر مهم لا يقدح في الدين وقد نقل ابن بطال عن أشهب عن مالك قال لا يتناجى ثلاثة دون واحد ولا عشرة لأنه قد نهي أن يترك واحدا قال وهذا مستنبط من حديث الباب لان المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين للواحد قال وهذا من حسن الأدب لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا قال المازري ومن تبعه لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد زاد القرطبي بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد فليكن المنع أولى وانما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى فمهما وجد المعنى فيه ألحق به في الحكم قال ابن بطال وكلما كثر الجماعة مع الذي لا يناجي كان أبعد لحصول الحزن ووجود التهمة فيكون أولى واختلف فيما إذا انفرد جماعة بالتناجي دون جماعة قال ابن التين وحديث عائشة في قصة فاطمة دال على الجواز ثم ذكر المصنف حديث ابن مسعود في قصة الذي قال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله والمراد منه قول ابن مسعود فأتيته وهو في ملا فساررته فان في ذلك دلالة على أن المنع يرتفع إذا بقي جماعة لا يتأذون بالسرار ويستثنى من أصل الحكم ما إذا أذن من يبقى سواء كان واحدا أم أكثر للاثنين في التناجي دونه أو دونهم فان المنع يرتفع لكونه حق من يبقى وأما إذا انتجى اثنان ابتداء وثم ثالث كان بحيث لا يسمع كلامهما لو تكلما جهرا فأتى ليستمع عليهما فلا يجوز كما لو لم يكن حاضرا معهما أصلا وقد أخرج المصنف في الأدب المفرد من رواية سعيد المقبري قال مررت علي ابن عمر ومعه رجل يتحدث فقمت إليهما فلطم صدري وقال إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما حتى تستأذنهما زاد أحمد في روايته من وجه آخر عن سعيد وقال أما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تناجى اثنان فلا يدخل معهما غيرهما حتى يستأذنهما قال ابن عبد البر لا يجوز لاحد أن يدخل على المتناجين في حال تناجيهما (قلت) ولا ينبغي لداخل القعود عندهما ولو تباعد عنهما الا بإذنهما لما افتتحا حديثهما سرا وليس عندهما
(٧٠)