هذا من الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهي قليلة بالنسبة لمروية عنه فإنه أحد المكثرين ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة (قوله لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا) في الرواية الثانية لو أن لابن ادم واديا مالا لأحب أن له إليه مثله ونحوه في حديث أنس في الباب وجمع بين الامرين في الباب أيضا ومثله في مرسل جبير بن نفير الذي قدمته وفي حديث أبي الذي سأذكره وقوله من مال فسره في حديث ابن الزبير بقوله من ذهب ومثله في حديث أنس في الباب وفي حديث زيد بن أرقم عند أحمد وزاد وفضة وأوله مثل لفظ رواية ابن عباس الأولى ولفظه عند أبي عبيدة في فضائل القرآن كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى الثالث وله من حديث جابر بلفظ لو كان لابن آدم وادي نخل وقوله لابتغى بالغين المعجمة وهو افتعل بمعنى الطلب ومثله في حديث زيد بن أرقم وفي الرواية الثانية أحب وكذا في حديث أنس وقال في حديث أنس لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية (قوله ولا يملا جوف ابن آدم) في رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عند الإسماعيلي نفس بدل جوف وفي حديث جابر كالأول وفي مرسل جبير بن نفير ولا يشبع بضم أوله جوف وفي حديث ابن الزبير ولا يسد جوف وفي الرواية الثانية في الباب ولا يملا عنين وفي حديث أنس فيه ولا يملا فاه ومثله في حديث أبي واقد عند أحمد وله في حديث زيد بن أرقم ولا يملا بطن قال الكرماني ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب إذ غيره يملؤه أيضا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال لا يشبع من الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد وهي من التفنن في العبارة (قلت) وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة ثم نسبة الامتلاء للجوف واضحة والبطن بمعناه وأما النفس فعبر بها عن الذات وأطلق الذات وأراد البطن من إطلاق الكل وإرادة البعض وأما النسبة إلى الفم فلكونه الطريق إلى الوصول للجوف ويحتمل أن يكون المراد بالنفس العين وأما العين فلانها الأصل في الطب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه وخص البطن في أكثر الروايات لان أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات وأكثرها يكون للاكل والشرب وقال الطيبي وقع قوله ولا يملا الخ وقع التذييل والتقرير للكلام السابق كأنه قيل ولا يشبع من خلق من التراب الا بالتراب ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكر التراب دون غيره أن المرء لا ينقضى طمعه حتى يموت فإذا مات كان من شأنه أن يدفن فإذا دفن صب عليه التراب فملا جوفه وفاه وعينيه ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره وأما النسبة إلى الفم فلكونه الطريق إلى الوصول للجوف (قوله في الطريق الثانية لابن عباس ويتوب الله على من تاب) أي أن الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره قيل وفيه إشارة إلى ذم الاستكثار من جمع المال وتمني ذلك والحرص عليه للإشارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع أي رجع عن ذلك الفعل والتمني وقال الطيبي يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال وأنه لا يشبع من جمعه الا من حفظه الله تعالى ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع ويتوب موضعه اشعارا بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب وأن ازالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده والى
(٢١٧)