على إجلال له - قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجرما سقيت لنا، فجزع موسى من ذلك، وكان طريدا في الفيافي والصحاري، فقال لها: قولي لأبيك إن الذي سقى يقول: لا أقبل أجرا على معروف اصطنعته، فانصرفت إلى أبيها فأخبرته. فقال: اذهبي فقولي له: أنت بالخيار بين قبول ما يعرض عليك أبي وبين تركه، فأقبل فإنه يحب أن يراك، ويسمع منك، فأقبل والجارية بين يديه، فهبت الريح فوصفتها له، وكانت ذات خلق كامل. فقال لها: كوني ورائي وأريني سمت الطريق، فلما بلغ الباب قال: استأذني لنا، فدخلت على أبيها، فقالت: إنه مع قوته لامين. فقال شعيب وكيف علمت ذلك؟ فأخبرته ما كان من قوله عند هبوب الريح عليها، فقال ادخليه، فدخل فإذا شعيب قد وضع الطعام، فلما سلم رحب به وقال: أصب من طعامنا يا فتى. فقال موسى: أعوذ بالله. قال شعيب: لم؟ قال لأني من بيت قوم لانبيع ديننا بملء الأرض ذهبا. قال شعيب: لا والله ما طعامي لما تظن، ولكنه عادتي وعادة آبائي نقري الضيف، ونطعم الطعام، فجلس موس فأكل، وهذه الدنانير إن كانت ثمنا لما سمعت من كلامي، فإن أكل الميتة والدم في حال الضرورة أحب إلي من أن آخذها.
فأعجب سليمان بأمره إعجابا شديدا، فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، إن الناس كلهم مثله؟ قال: لا. قال الزهري: إنه لجاري منذ ثلاثين سنة، ما كلمته قط، فقال أبو حازم: صدقت لأنك نسيت الله ونسيتني، ولو ذكرت الله لذكرتني، قال الزهري: أتشتمني؟ قال له سليمان: بل أنت شتمت نفسك، أو ما علمت أن للجار على الجار حقا؟ قال أبو حازم: إن بني إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الامراء تحتاج إلى العلماء، وكانت العلماء تفر بدينها من الامراء، فلما رؤي قوم من أراذل النسا تعلموا العلم، وأتوا به الامراء، استغنت الامراء عن العلماء، واجتمع القوم على المعصية، فسقطوا وهلكوا،