يا أمير المؤمنين، إن مفاتيح الخير بيد الله، وقد أتتك وفود أهل العراق، وأن إخواننا من أهل الكوفة والشام ومصر نزلوا منازل الأمم الخالية، والملوك الجبابرة، ومنازل كسرى وقيصر وبني الأصغر، فهم من المياه العذبة، والجنان المخصبة، في مثل حولاء السلى، وحدقة البعير، تأتيهم ثمارهم غضة لم تتغير، وإنا نزلنا أرضا نشاشة، طرف في فلاة وطرف في ملح أجاج، جانب منها منابت القصب، وجانب سبخة نشاشة لا يجف ترابها، ولا ينبت مرعاها، تأتينا منافعها في مثل مرئ النعامة، يخرج الرجل الضعيف منا يستعذب الماء من فرسخين، وتخرج المرأة بمثل ذلك ترنق ولدها ترنيق العنز، تخلف عليه العدو والسبع، فألا ترفع خسيستنا، وتنعش ركيستنا، وتجبر فاقتنا، وتزيد في عيالنا عيالا، وفي رجالنا رجالا، وتصغر درهمنا، وتكبر قفيزنا، وتأمر لنا بحفر نهر نستعذب منها الماء هلكنا.
قال عمر: هذا والله السيد، هذا والله السيد.
قال الأحنف: فما زلت أسمعها بعد. فأراد زيد بن جبلة أن يضنع منه، فقال: يا أمير المؤمنين: إنه ليس هناك وأمه باهلية.
قال عمر: هو خير منك إن كان صادقا، يريد إن كانت له نية.
فقال الأحنف:
أنا ابن الباهلية أرضعتني * بثدي لا أجد ولا وخيم أغض على القذى أجفان عيني * إذا شر السفيه إلى الحليم قال: فرجع الوفد واحتبس الأحنف عنده حولا وأشهرا، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله حذرنا كل منافق صنع اللسان، وإني خفتك فاحتبستك، فلم يبلغني عنك إلا خير، رأيت لك جولا ومعقولا، فارجع إلى منزلك، واتق الله ربك. وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يحتفر لهم نهرا (1).