تأميره حتى غضب صلى الله عليه وآله، من طعنهم، غضبا شديدا، فخرج - بأبي وأمي - معصب الرأس (2)، مدثرا بقطيفته، محموما ألما، وكان ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول قبل وفاته بيومين، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال - فيما أجمع أهل الأخبار على نقله، واتفق أولوا العلم على صدوره -: " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله إنه كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها " (867) وحضهم على المبادرة إلى السير، فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف، وهو يحضهم على التعجيل، ثم ثقل في مرضه، فجعل يقول: جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك وهم مثاقلون، فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربع الأول دخل أسامة من معسكره على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره بالسير قائلا له: " أغد على بركة الله تعالى " (868) فودعه وخرج إلى المعسكر، ثم رجع ومعه عمر وأبو عبيدة، فانتهوا إليه وهو يجود بنفسه، فتوفي - روحي وأرواح العالمين له الفداء - في ذلك اليوم. فرجع الجيش باللواء إلى المدينة الطيبة، ثم عزموا على إلغاء البعث بالمرة، وكلموا أبا بكر في ذلك، وأصروا عليه غاية الاصرار، مع ما رأوه بعيونهم من اهتمام النبي صلى الله عليه وآله، في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في الاسراع به على وجه يسبق الأخبار، وبذله الوسع في ذلك منذ عبأه بنفسه وعهد إلى أسامة في أمره، وعقد لواءه بيده إلى أن احتضر - بأبي وأمي - فقال: أغد على بركة الله تعالى، كما
(٣٦٧)