الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل: " جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه " (870).
وقد تعلم، أنهم إنما تثاقلوا عن السير أولا، وتخلفوا عن الجيش أخيرا، ليحكموا قواعد سياستهم، ويقيموا عمدها، ترجيحا منهم لذلك على التعبد بالنص، حيث رأوه أولى بالمحافظة، وأحق بالرعاية، إذ لا يفوت البعث بتثاقلهم عن السير، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش، أما الخلافة فإنها تنصرف عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته صلى الله عليه وآله، وكان - بأبي وأمي - أراد أن تخلو منهم العاصمة، فيصفوا لأمر من بعده لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب على سكون وطمأنينة، فإذا رجعوا وقد أبرم عهد الخلافة، وأحكم لعلي عقدها، كانوا عن المنازعة والخلاف أبعد. وإنما أمر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة (1) ليا لأعنة البعض، وردا لجماح أهل الجماح منهم، واحتياطا على الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمر أحدهم، كما لا يخفى، لكنهم فطنوا إلى ما دبر صلى الله عليه وآله وسلم، فطعنوا في تأمير أسامة، وتثاقلوا عن السير معه، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي صلى الله عليه وآله بربه، فهموا حينئذ بإلغاء البعث وحل اللواء تارة، وبعزل أسامة أخرى، ثم تخلف كثير منهم عن الجيش كما سمعت. فهذه خمسة أمور في هذه السرية لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية، إيثارا لرأيهم في الأمور السياسية، وترجيحا لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه صلى الله عليه وآله وسلم، والسلام.
ش