إلا وقد عبأه بالجيش (1) (863) وكان ذلك لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشر للهجرة، فلما كان من الغد دعا أسامة، فقال له: سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحا على أهل أبنى (2)، وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار، فإن أظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الادلاء، وقدم العيون والطلائع معك. فلما كان اليوم الثامن والعشرين من صفر، بدأ به صلى الله عليه وآله، مرض الموت فحم - بأبي وأمي - وصدع، فلما أصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم مثاقلين، خرج إليهم فحضهم على السير، وعقد صلى الله عليه وآله، اللواء لأسامة بيده الشريفة تحريكا لحميتهم، وإرهافا لعزيمتهم، ثم قال: اغز بسم الله وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله. فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة، وعسكر بالجرف، ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا، مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أغز صباحا على أهل أبنى " (864).
وقوله: " وأسرع السير لتسبق الأخبار " (865) إلى كثير من أمثال هذه الأوامر التي لم يعملوا بها في تلك السرية. وطعن قوم منهم في تأمير أسامة كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقالوا في ذلك فأكثروا، مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالإمارة، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم، له يومئذ: " فقد وليتك هذا الجيش " (866) ورأوه يعقد له لواء الإمارة - وهو محموم - بيده الشريفة، فلم يمنعهم ذلك من الطعن في