سمعت، ولولا الخليفة لأجمعوا يومئذ على رد البعث، وحل اللواء، لكنه أبى عليهم ذلك. فلما رأوا منه العزم على إرسال البعث، جاءه عمر بن الخطاب حينئذ يلتمس منه بلسان الأنصار أن يعزل أسامة، ويولي غيره.
هذا ولم يطل العهد منهم بغضب النبي وانزعاجه، من طعنهم في تأمير أسامة، ولا بخروجه من بيته بسبب ذلك محموما ألما معصبا مدثرا، يرسف في مشيته، ورجله لا تكاد تقله، مما كان به من لغوب، فصعد المنبر وهو يتنفس الصعداء، ويعالج البرحاء، فقال: " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله أنه كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها " فأكد صلى الله عليه وآله، الحكم بالقسم، وإن وإسمية الجملة ولام التأكيد ليقلعوا عما كانوا عليه، فلم يقلعوا، لكن الخليفة أبى أن يجيبهم إلى عزل أسامة، كما أبى أن يجيبهم إلى إلغاء البعث، ووثب فأخذ بلحية عمر (1) فقال: " ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله، وتأمرني أن نزعه " (869) ولما سيروا الجيش - وما كادوا يفعلون -، خرج أسامة في ثلاثة آلاف مقاتل فيهم ألف فرس (2)، وتخلف عنه جماعة ممن عبأهم رسول الله صلى الله عليه وآله، في جيشه. وقد قال صلى الله عليه وآله - فيما أورده