المجلس السادس والأربعون في مروج الذهب: وبويع الوليد بن عبد الملك بن مروان في اليوم الذي هلك فيه عبد الملك صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لم أر مثلها مصيبة: ولا مثلها نعمة فقدت الخليفة وتقلدت الخلافة فإنا لله وإنا إليه راجعون على المصيبة، والحمد لله رب العالمين على النعمة، ثم دعى الناس إلى بيعته فبايعوا، ولم يختلف عليه أحد، فكانت مدة ولايته تسع سنين وثمانية أشهر وليلتين، وهلك وهو ابن ثلاث وأربعون سنة، وكان يكنى بأبي العباس وله أربعة عشر ذكورا، وكان نقش خاتمه يا ولد إنك ميت، وعدل بالخلافة عن ولده بعده، اتباعا لوصية عبد الملك، وكان الوليد جبارا عنيدا ظلوما غشوما وهو الذي أمر ببناء المسجد الجامع بدمشق ومسجد رسول الله بالمدينة وأنفق عليهما أموالا، ولما ابتدأ ببناء الجامع في دمشق وجد في حائط المسجد لوح من حجارة فيه كتابة باليونانية فعرض على جماعة من أهل الكتاب فلم يقدروا على قراءته فوجه به إلى وهب بن منبه فقال: هذا مكتوب في أيام سليمان بن داود (ع) فقرأه فإذا فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم يا بن آدم لو عاينت ما بقي من يسير أجلك لزهدت فيما بقي من طول أملك وقصرت عن رغبتك وحيلتك وإنما تلقي ندامتك إذا زلت بك قدمك واسلك أهلك وانصرف عنك الحبيب وودعك القريب. ثم صرت تدعى فلا تجيب فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا في عملك زائد فاغتنم الحياة قبل الموت، والقوة قبل الفوت وقبل أن يؤخذ منك بالكظم، ويحال بينك وبين العمل، فبنى المسجد واهدم الكنيسة التي كانت فيه، وكان اللعين مع تلك الشقاوة شديد العداوة على الكفر حتى إنه صعد يوما على المنبر فسمع صوت الناقوس قال: ما هذا؟ قيل: البيعة فأمر بهدمها وتولى بعض ذلك بيده فتتابع الناس بهدمها حتى أهدموها عن آخرها فكتب إليه ملك الروم إن هذه البيعة قد أقروها من كان قبلك فإن كانوا أصابوا فقد أخطأت، وان تكن أصبت فقد أخطأوا فقال:
من يجيبه؟ فقال الفرزدق: أكتب إليه (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا أتينا حكما وعلما) وهذه الآية