أبي عتيق ما حل به دنا منه وقال في إذنه: إنها امرأتي فقبله ما بين عينيه وضحك وقال:
أحسنت فزدها فضحك عبد الملك حتى فحص برجليه وقال له: قاتلك الله يا روح ما أحسن حديثك ومد يده إليه فقام إليه روح وأكب عليه وقبل أطرافه وقال: يا أمير المؤمنين الذنب فأعتذر أم الملالة فأصبر؟ قال: لا ذاك ولا ذاك ثم حسن حاله وتوفي عبد الملك يوم السبت الرابع عشر من شوال سنة ست وثمانين ولما أشرف على الموت جمع أولاده وقال:
أوصيكم بتقوى الله فإنها عصمة باقية وجنة واقية فالتقوى خير زاد وأفضل في المعاد وهي أحسن كهف، وليعطف الكبير على الصغير، وليعرف الصغير حق الكبير مع سلامة الصدور، والاخذ بجميل الأمور وإياكم والبغي والتحاسد فيهما هلك الملوك الماضون، وذوو العز المكين ثم جعل يقول: يا دنيا ان طويلك لقصير، وإن كثيرك لقليل، وإن كان منك لفي غرور، ودخل عليه ابنه الوليد وهو يجود بنفسه فبكى الوليد وقال: كيف أصبح أمير المؤمنين فالتفت إليه بهذا المصرع (ومشتغل عنا يريد بنا الردى) ثم التفت إلى نسائه بهذا المصرع (ومستعبرات والعيون سواجع) وأيضا أنشأ هذا البيت:
كم عائد رجلا وليس يعوده * إلا لينظر هل يراه يموت يعني تحضرون عندي وتعودونني ولكن ليس فيكم من يعودني ويحضر عندي إلا وهو ينتظر موتي ويترقب منيتي، كل لأجل مناه ومراده هذا لاخذ الميراث، والاخر ليقوم بأمر الخلافة والسلطنة، والاخر لجري أموره على وفق مرامه، وهذا من أشد المصائب على المحتضر إذ ينظر إلى عائديه، ويراهم إنهم يترقبون موته لأجل مرامهم هلموا لنبكي على ذاك المحتضر الذي سقط عن ظهر جواده إلى الأرض متشحطا بدمه وجراحاته تشخب دما وهو يجود بنفسه وقد أحاط به ألوف من أهل الكوفة، وكل منهم يترقب شهادته لينال بمرامه ومراده ومراماتهم كثيرة منها ان يأخذوا رأسه ويذهبوا به وينالوا بالجائزة. منها ان يلبسوه ويأخذوا أثوابه. منها: ان ينهبوا فسطاطه ويسبوا عياله وقد احتوشه القوم من كل مكان أحدهم ينادي ويلكم ما تنظرون به اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم، والاخر يقول: اذبحوا الرجل وأريحوه، وهو بينهم يتلظى عطشا، ويطلب جرعة من الماء.