وازدحموا عليه الوفاد من كل باب فحمل عليهم فشدخ بالحجارة فانصرع وأكب عليه موليان له وأحدهما يقول: العبد يحمي ربه ويحتمي حتى قتلوا جميعا وتفرق من كان معه من أصحابه وأمر به الحجاج فصلب بمكة، وكان مقتله يوم الثلاثاء لأربع عشر ليلة خلت من جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وكلمت أسماء أم عبد الله الحجاج في دفنه فأبى عليها وقد ظهر ما أخبر به الصادق المصدق أمير المؤمنين (ع)، وهذا من كرامات علي (ع) لأنه أخبر عن قتل ابن الزبير بمكة واستحلاله حرمة البيت كما في الخبر لما عزم الحسين (ع) على الخروج من مكة جائه عبد الله بن الزبير، وتكلم معه بما تكلم وأجابه الحسين (ع) بما أجاب حتى قال عبد الله ابن الزبير: يا بن رسول الله قد حضر الحج أو تدعه وتأتي العراق؟ فقال (ع): يا بن الزبير لان أدفن بشاطئ الفرات أحب إلي من أن أدفن بفناء الكعبة ان أبي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش يعني بذلك ابن الزبير، فخرج ابن الزبير من عند الحسين فمر عبد الله بن العباس بابن الزبير وقال له: قرت عينك يا بن الزبير هذا حسين يخرج إلى العراق ويخليك والحجاز لان ابن الزبير قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين (ع) بمكة وهو أثقل خلق الله عليه، فلم يكن شئ يؤتي به أحب إليه من شخوص الحسين عن مكة، ولما خرج الحسين فرح ابن الزبير وسر بذلك سرورا عظيما وقرت عينه والحال إنه لم يبق بمكة إلا من حزن لمسيره بل وقد دمعت بيت الله الحرام لفقده كما قال الشاعر:
لقد دمعت عيون البيت حزنا * لفقد منى القلوب العارفينا المجلس الرابع والأربعون في مروج الذهب وكان الحجاج بن يوسف بن عقيل الثقفي من عمال عبد الملك وهو الذي فتح مكة، واستولى على ابن الزبير وقتله فولاه عبد الملك على مكة والمدينة وقام فيهما ثلاث سنين، وكان بشر بن مروان أخو عبد الملك واليا على العراق.
فلما هلك بشر لم ير عبد الملك أحدا للعراق إلا الحجاج لأنه كان ذا رأي وعقل