يا أمير المؤمنين يعز علينا معشر المحبين بأن توافي سلمان من المدينة إلى المدائن وتغسله بيدك وتحنطه وتكفنه وتدفنه، ويبقى ولدك الحسين طريحا جريحا ملقى على الرمضاء بلا غسل ولا كفن ملقا ثلاثا الخ، ولقائل أن يقول: إن لم يحضره أمير المؤمنين (ع) فقد حضره ولده السجاد زين العابدين لكن ما غسله، ولا كفنه، ولا حنطه بل اكتفى بدلا عن ذلك ببارية حمل عليها جسد أبيه الحسين (ع) الخ.
المجلس الثاني والثلاثون ومن يذق الدنيا فاني طعمتها * وسيق إلينا عذبها وعذابها فلم أرها إلا غرورا وباطلا * كما لاح في أرض الفلاة سرابها وما هي إلا جيفة مستحيلة * عليها كلاب قد هممن اجتذابها فان تجتنبها سلما لأهلها * وان تجتذبها نازعتك كلابها أوحى الله تعالى إلى داود مثل الدنيا كمثل جيفة اجتمعت عليها الكلاب يجرونها أفتحب أن تكون كلبا مثلهم فتجر معهم؟ يا داود، طيب الطعام ولين اللبس والصيت بين الناس والآخرة الجنة لا تجتمع أبدا لان الجنة لا يدخلها إلا المخففون وهؤلاء هم المثقلون قال صلى الله عليه وآله وسلم: ان بين أيدينا عقبة كؤدا لا يجاوزها إلا المخفون قال أبو ذر: أنا منهم يا رسول الله قال: ألك قوت يوم وليلة؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وآله وسلم: في أنت منهم. وكان أبو ذر في مرتبة عظيمة من الزهد، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أراد أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر، وقد اكتفى من الدنيا بقرصي شعير يتغدى بأحدهما، ويتعشى بالآخر، وبشملتي صوف يتزر بأحدهما، ويرتدي بأخرى بعث عثمان إليه بصرة على يد عبد له، وقال له: إن قبلها فأنت حر. فلم يقبلها فقال:
اقبلها فان فيها عتقي فقال: إن كان فيها عتقك فان فيها رقي، وأنا قد قطعت علائق الدنيا لئلا أكون عبد لغير الله:
برزت من المنازل والقباب * فلم يعسر على أحد حجابي فمنزلي الفضاء وسقف بيتي * سماء الله أو قطع السحاب