سنتين وخمسة أشهر، وقبض وهو ابن تسع وثلاثين سنة، ولقد توفي يوم الجمعة لخمس بقين من رجب ولم يكن خلافته بعهد تقدم بل بوصية أوصى بها سليمان، وذلك إن سليمان لما حضرته الوفاة كتب وصيته، وأشهد على ذلك جماعة من الاشراف، وقال: إذا أنا مت فأذنوا بالصلاة جامعة ثم اقرأوا هذا الكتاب فلما هلك ودفن نودي في الناس بالصلاة جامعة فأجتمع الناس، وحضر بنو مروان ثم خطب الخطيب وقال: أيها الناس أرضيتم في الخلافة بمن سماه أمير المؤمنين سليمان في وصيته؟ قالوا: بلى فقرأ الوصية، وإذا فيها اسم عمر بن عبد العزيز، ومن بعده يزيد بن عبد الملك فقال مكحول وهو من الاشراف:
ونادى أين عمر بن عبد العزيز وكان في أواخر الناس؟ فلما سمع باسمه أسترجع ثلاثا فأتاه قوم وأخذوا بيده وعضديه فأقاموه وذهبوا به إلى المنبر فصعد وجلس على المرقاة الثانية.
فأول من بايعه يزيد بن عبد الملك ثم بايعه الناس أجمعون لأنه كان في نهاية التواضع والصلاح والسداد، وقد رضى به الناس فأول ما صنع عمر بن عبد العزيز ترك اللعن على أمير المؤمنين (ع) من قنوت الصلاة، وجعل مكانه (ربنا أغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) ثم رفع أعمال من كان قبله من بني أمية من أعمال سوء وصرفهم عن أعمالهم واستعمل أصلح من قدر عليه ويراقبهم حتى لا يعملوا بسوء في الرعية، وبلغه من بعض أعماله شيئا فكتب إليه يا فلان قد كثر شاكوك، وقل شاكروك فإما عدلت، وأما اعتزلت والسلام وكثيرا يراعي العدالة في الرعية حتى كان قبل خلافته يلبس حلة بألف دينار فلما أتته الخلافة يشتري قميصا بعشرة دراهم، ويلبس ذلك ومع ذلك يخاف على نفسه حتى قال يوما لبعض جلسائه: أسرك ما وليت أم أساءك؟ قال: سرني للناس وسائني لك قال: إني أخاف أن أكون أو بقيت نفسي قال: ما أحسن حالك إن كنت تخاف إني أخاف أن لا تخاف. خرج يوما في أصحابه فمر بالمقبرة فقال لهم: قفوا حتى أتي قبور الأحبة فأسلم عليها فلما توسطها وقف وسلم وتكلم وأنصرف إلى أصحابه فقال: ألا تسألوني ماذا قلت لهم وما قالوا؟ فقالوا: وماذا قلت يا أمير المؤمنين، وما قيل لك؟ قال: مررت بقبور الأحبة فسلمت فلم يردوا جوابي، ودعوتهم فلم يجيبوا فبينما أنا كذلك إذ نوديت يا عمر أتعرفني؟ أنا من الذين غيرت محاسن وجوههم، ومزقت الأكفان عن جلودهم وقطعت أيديهم، وبانت أكفهم من سواعدهم ثم بكى حتى كادت نفسه تخرج وكان عمر