المجلس التاسع عشر في مسكن الفؤاد للشهيد قدس سره عن أبي قدامة الشامي قال: كنت أميرا على الجيش في بعض الغزوات فدخلت بعض البلدان فدعوت الناس ورغبتهم في الجهاد وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها، ثم تفرق الناس وركبت فرسي ومضيت إلى منزلي، وإذا أنا بامرأة من أحسن الناس تنادي: يا أبا قدامة. فمضيت ولم أجب. فقالت: ما هكذا كان الصالحون: فوقفت، فجاءت ودفعت لي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية فنظرت في الرقعة فإذا مكتوب فيها: يا أبا قدامة أنت دعوتنا إلى الجهاد، ورغبتنا في الثواب، ولا قدرة لي على ذلك، فقطعت أحسن ما في وهما ضفيرتاي، وأنفذتهما إليك لتجعلها قيد فرسك، لعل الله تعالى يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي، فلما كان صبيحة يوم القتال فإذا غلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسرا، فتقدمت إليه فقلت: يا فتى غلام غر راجل ولا آمن أن تجول عليك الخيل فتطأك بأرجلها، فارجع عن موضعك هذا فقال: يا أبا قدامة أتأمرني بالرجوع وقد قال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) وقرأ الآية إلى آخرها، فحملته على هجين كان معي فقال: يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم. فقلت: هذا وقت قرض؟ فما زال يلح علي حتى قلت بشرط من الله عليك بالشهادة أكون معك وفي شفاعتك. قال: نعم فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهما في قوسه ورمى به وقتل روميا، ثم رمى بالآخر وقتل روميا، ورمى بالثالثة فقتل به روميا. ثم قال: السلام عليك يا أبا قدامة سلام مودع فجاءه سهم فوقع بين عينيه، فوضع رأسه على قربوس سرجه فتقدمت إليه وقلت: لا تنس ما عاهدتني عليه. فقال: نعم ولكن لي إليك حاجة إذا دخلت المدينة فات والدتي وسلم خرجي وأخبرها بشهادتي فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك، وسلم لي عليها فهي في العام الأول أصيبت بوالدي، وفي هذا العام بي. ثم مات الغلام فحفرت له حفيرة ودفنته فلما همت بالانصراف عن قبره قذفته الأرض فالقته على ظهرها، فقال أصحابه:
غلام غر ولعله خرج بغير إذن أمه. فقلت: إن الأرض لتقبل من هو شر من هذا