المجلس الخامس والأربعون ومن كلام لأمير المؤمنين (ع) قال لمروان بن الحكم بالبصرة: قالوا: أخذ مروان أسيرا يوم الجمل فأستشفع الحسن والحسين عليهما السلام فكلماه فيه فخلى سبيله فقالا له:
يبايعك يا أمير المؤمنين فقال (ع): أو لم يبايعني قبل قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسبته أما ان له امرة كلعقة الكلب انفه وهو أبو الأكبش الأربعة ستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر، قوله لغدر بسبته السبت بالفتح الاست كنى بها عن الغدر الخفي لأنها مما يحرص الانسان على اخفائه، وربما كان في ذلك إشارة إلى ما كانت تفعله العرب إذا أرادت أن تستخف بعهد أو تغدر بعقد من أنهم كانوا يحبقون عند ذكره استهزاء، وقوله (ع): ان له امرة كعلقة الكلب إشارة إلى سرعة انقضائه وقصر مدته، وكانت تسعة أشهر كالزمن الذي يتخلل لعقة الكلب انفه وقوله (ع): وهو أبو الأكبش، الأكبش جمع كبش وهو سيد القوم ورئيسهم، وقيل:
المراد بالأكبش بني عبد الملك بن مروان وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام قالوا: ولم يتول الخلافة أربعة أخوة سوى هؤلاء وقد قدمنا ذكر مروان وقصر مدته ونأخذ الان بذكر ابنه عبد الملك أبو الأكبش.
وفي مروج الذهب للمسعودي وبويع عبد الملك بن مروان ليلة الأحد غرة شهر رمضان من سنة خمس وستين، وكان منذ بويع إلى أن توفي أحد وعشرين سنة وشهرا ونصفا، ومدة عمره ست وستون سنة وله حروب عظيمة أولهن حرب ابن الزبير بعث إليه الحجاج بن يوسف بجيش إلى مكة فلم يزل يترصد خبره حتى قتل ابن الزبير، وبلغ ذلك عبد الملك ففرح أشد الفرح. ثم كتب إلى الحجاج يأمره بأخذ البيعة من أهلها فبايعه أهل مكة والمدينة وصفي له الحجاز وتوابعه وانقاد الناس طرا له، حج عبد الملك شكرا لما أعطى ذلك، فلما دخل المدينة قام الناس بالعطاء قيل خرجت بدرة مكتوب عليها: هذه من الصدقة فأبى أهل المدينة من قبولها وقالوا: إنما كان عطاؤنا من الفئ فقال عبد الملك وهو على المنبر: يا معشر قريش مثلنا ومثلكم كمثل أخوين في الجاهلية خرجا مسافرين