ابن عبد العزيز كثير المحبة لبني هاشم وأولاد أمير المؤمنين ويكرمهم بكرامات، كتب إلى عامله بالمدينة ان قسم في ولد علي بن أبي طالب عشرة آلاف دينار، فكتب إليه إن عليا قد ولد له في عدة قبائل من قريش وغيرها ففي أي ولده؟ فكتب إليه لو كتبت إليك في شاة تذبحها لكتبت إلى سوداء أم بيضاء إذا أتاك كتابي فأقسم في أولاده علي من فاطمة رضوان عليهم عشرة آلاف دينار فطالما غدرت حقوقهم وقد بلغ أوصافه ومحاسنه المغرب والمشرق حتى روي إنه بعث وفدا إلى ملك الروم في أمر من مصالح المسلمين، فلما دخلوا عليه إذا هو جالس على سرير ملكه والتاج على رأسه والناس على مراتبهم بين يديه فابلغوا ما قصدوا له فلقاهم بجميل وأجابهم بأحسن جواب وانصرفوا عنه في ذلك اليوم فلما كان في غداة غد أتاهم رسول الملك فدخلوا عليه فإذا الملك قد نزل عن سريره ووضع التاج عن رأسه، وقد تغيرت صفاته التي شاهدوه عليها كأنه في مصيبة فقال الملك: هل تدرون لماذا دعوتكم؟ قالوا: لا قال: جائني كتاب إن سلطانكم الرجال الصالح ملك العرب عمر بن عبد العزيز قد مات فبكوا هؤلاء فقال الملك: لا تبكوا له بل وأبكوا لأنفسكم ولما بدا لكم فإنه خرج إلى خير مما خلف قد كان يخاف أن يدع طاعة الله فلم يكن الله ليجمع مخافة الدنيا والآخرة، لقد بلغني من بره وفضله وصدقه ما لو كان أحد بعد عيسى يحيى الموتى لظننت إنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره ظاهرا وباطنا فلا أجد أمره مع ربه إلا واحدا، بل باطنه أشد من خلوته بطاعته لمولاه، ولم أعجب لهذا الراهب الذي ترك الدنيا وعبد ربه على رأس صومعته لكني عجبت من هذا الذي صارت الدنيا تحت قدمه فزهد فيها حتى صار مثل الراهب، إن أهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلا قليلا نعم ما أحسن وأجاد ذلك الملك كما رأينا وسمعنا وجربنا بأن أهل الخير غالبا قصيرة أعمارهم، وقريبة آجالهم بخلاف الأشرار والفجار، فأنهم يمكثون في الأرض حتى ينالهم آمالهم، ويؤذوا الناس بأفعالهم ولكن الفضل وقصب السبق للأخيار والأبرار لأنه وان كانت قصيرة أعمارهم وقريبة آجالهم، ولكن إذا ماتوا لم يغيبوا عن أعين الناس فمتى ذكروا ذكروا بالخير، ويحمدوا بحسن أفعالهم ويترحموا على مآثرهم الجميلة فهم كما قال (ع) أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب مشهودة، فكأنهم حي في الدنيا وشواهدها كثيرة، أنظروا إلى هذا الرجل المذكور يعني عمر بن عبد العزيز فتراه في مقام المقايسة مع نظرائه من الخلفاء الأمويين فتجده أحسنهم حالا ومذاكرة، فإن خلفاء بني
(١٣٩)