بالسفافيد التي فيها الدجاج المشوية، وعليه الوشي، فلحرصه على الاكل يدخل يده في كمه حتى يقبض على الدجاجة وهي حارة فيفصلها، قال الأصمعي: ذكرت لهارون الرشيد حرص سليمان وتناوله الفراريخ بكمه من السفافيد فقال: قاتلك الله فما أعلمك باخبارهم إنه عرضت علي جباب بني أمية فنظرت إلى جباب سليمان وإذا كل جبة منها في كمها أثر دهن فلم ادر ما ذلك حتى حدثتني بالحديث ثم قال: علي بجباب سليمان فأتي بها فنظرنا فإذا تلك الآثار فيها ظاهرة فكساني منها جبة، فكان الأصمعي ربما يخرج أحيانا فيها فيقول:
هذه جبة سليمان التي كساني بها الرشيد، وذكر ان سليمان خرج من الحمام ذات يوم، وقد اشتد جوعه فاستعجل الطعام ولم يكن فرغ منه فأمر ان يقدم ما لحق من الشواء فقدم إليه عشرون خروفا فأكل أجوافها كلها مع أربعين رقاقة ثم قرب بعد ذلك الطعام فأكل مع ندمائه كان لم يأكل شيئا، وكان يتخذ سلال الحلوى ويجعل ذلك حول مرقده فكان إذا قام من نومه يمد يده فلا تقع يده إلا على سلة من السلال، ويأكلها عن آخرها، ولبس سليمان في يوم الجمعة لباسا جديدا، وتعطر ودعا بصندوق فيه العمائم وبيده مرآة، ولم يزل يعمم بعمامة ثم يعرض عنها، ويعمم بأخرى حتى رضي بواحدة وأرخى سدولها وأخذ بيده مخصرة، وخرج وجلس على المنبر ناظرا في عظمته وخطب خطبة فأعجبته نفسه فلم يزل يقول: انا الملك الشاب السيد المهاب الكريم الوهاب، ثم نزل ودخل قصره فتمثلت له جارية من جواريه فقال لها: كيف رأيت وترين أمير المؤمنين؟ قالت: أراه مني النفس وقرة لولا ما قال الشاعر: قال وما قال؟ قالت: قال:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير أن لا بقاء للانسان أنت من لا يرينا منك شئ * علم الله غير إنك فاني فبكى سليمان من هذا القول وكان يومه ذلك باكيا ثم دعا الجارية وقال: ما دعاك إلى ما قلت لأمير المؤمنين قالت: والله ما قلت هذا الكلام، ولا رأيت أمير المؤمنين اليوم ولا دخلت عليه فعظم ذلك على سليمان ودعا بقية جواريه فصدقتها في قولها، فرع سليمان ولم ينتفع بنفسه، ولم يمكث بعد ذلك إلا مدة قليلة فقال يوما لأبي حازم الأعرج وهو من العلماء: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم عمرتم دنياكم وأخربتم آخرتكم، فأنتم النقلة من العمران إلى الخراب قال: فأخبرني كيف القدوم على الله؟ قال:
أما المحسن فكالغائب يأتي أهله مسرورا، وأما المسئ فكالعبد الآبق يأتي مولاه محزونا