فمن قتل من آل أبي طالب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب الحنفية ومن بني هاشم من غير آل أبي طالب ثلاثة وبضع وتسعون رجلا من سائر قريش، ومن سائر الناس لا تعد ولا تحصى. ثم دخل المدينة وخرب بيوت بني هاشم ونهب المدينة، وأخاف أهلها واخد منهم البيعة على أنهم عبيد ليزيد وسمى المدينة نتنة، وخرج علي بن الحسين حتى لاذ بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يدعو لنفسه فأمر مسلم بن عقبة باحضار علي بن الحسين وهو مغتاظ عليه ويتبرأ منه ومن آبائه فلما رآه وقد دخل ارتعد مسلم وقام له واقعده إلى جانبه وقال له: سلني حوائجك فلم يسأله في أحد ممن قدم إليه بالسيف إلا شفعه فيه. ثم خرج من عنده فقيل لزين العابدين: رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت؟ قال (ع): قلت: اللهم رب المساواة السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن رب العرش العظيم رب محمد وآله الطاهرين أعوذ بك من شره وادرأ بك في أسئلك ان تؤتيني خيره وان تكفيني شره.
وقيل لمسلم بن عقبة: تسب هذا الغلام وسلفه فلما اتى إليك رفعت منزلته فقال:
ما كان ذلك مني لقد ملاء قلبي رعبا، ولما فرغ من المدينة وخرج منها مسلم بن عقبة في جيشه يريد مكة لمقاتلة ابن الزبير وأهل مكة، وذلك في سنة أربع وستين فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مسلم بن عقبة، وتولى الجيش الحصين بن نمير (لع) فسار حتى أتى مكة وأحاط بها.
فلما رأى عبد الله بن الزبير ذلك وكثرة الجيش وقلة أعوانه لاذ بالبيت الحرام واظهر الزهد في الدنيا والعبادة مع الحرص على الخلافة وقال: إنما بطني شبر فما عسى ان يسع ذلك من الدنيا وانا العائذ بالبيت والمستجير بالرب وفيه يقول الشاعر:
تخير من لاقيت انك عائذ * وتكثر قتلا بين زمزم والركن وسمى نفسه العائذ بالبيت ونصب الحصين بن نمير فيمن معه من أهل الشام المجانيق والعرادات على مكة والمسجد من الجبال والفجاج وابن الزبير في المسجد ومن معه المختار بن أبي عبيدة داخلا في جملته منقادا بإمامته على شرائط شرطها عليه لا يخالفه رأيا ولا يعصي له أمرا فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ورموا مع الأحجار بالنار والنفط وغير ذلك من المحرقات، وانهدمت الكعبة، واحترقت البنية ففي ذلك يقول الشاعر: