ولم يتجاسروا عليه، وهو قوي في بأسه، شديد في تجلده بطل شجاع، سيد سميدع ان لقي جيشا هزمه وأرداه، وان لقي قرنا سلبه وأفناه، وان لقي عدوا قتله وأخزاه، وان لقي حصنا هدمه، وان وافى جبلا قلعه، وهو لا يغفل عن ذكر الله طرفة عين فقال معاوية:
كيف خلفت الحسن والحسين؟ قال خلفتهما شابين، تقيين نقيين زكيين، عفيفين صحيحين، سيدين، طيبين، فاضلين، عالمين، عاقلين، مصلحين في الدينا والآخرة فقال:
لله درك يا أعرابي ما حسن ثنائك لصاحبك وما أظن عنده أحدا من أصحابه أفصح منك.
قال: لو بلغت باب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لوجدت الأدباء الفصحاء البلغاء الفقهاء النجباء الأتقياء الأصفياء، ولرأيت رجالا سيماهم في وجوههم من أثر السجود حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا أنفسهم في تلك الشعل لابسين القلوب على مدارعهم، قائمين ليلهم صائمين نهارهم لا تأخذهم في الله ولا في ولي الله علي لومة لائم فإذا أنت يا معاوية رأيتهم على هذه الحالة غرقت في بحر عميق لا تنجو من لجته يا ضعيف اليقين فدنى عمرو بن العاص إلى معاوية وقال: ان العرب أصحاب لقمة فلو أمرت لهذا الاعرابي بشئ من المال تقطع به لسانه كان أجل فقال معاوية: يا اعرابي ما تقول في الجائزة تأخذها مني؟ فقال: اني أريد أن أقبض روحك من جسدك فكيف لا آخذ مالك من يدك فأمر له بعشرة آلاف دينا وقال أتحب ان أزيدك؟ قال: زد فإنك لا تعطيه من مال أبيك وان الله ولي من يزيد.
قال: أعطوه عشرين ألفا: اجعلها وترا فان الله هو الوتر ويحب الوتر فأبطأ الروس ساعة فقال الطرماح: تستهزئني به على فراشك؟ فقال: لماذا يا أعرابي؟ قال:
انك أمرت لي بجائزة لا أراها ولا تراها فأمرك بمنزلة الريح التي تهب من قلل الجبال فأمر معاوية بأن يسرع في ابرازها فأتوا بها ووضعوها بين يديه فقال عمرو بن العاص:
يا أعرابي كيف ترى جائزة أمير المؤمنين؟ فقال: هذا مال المسلمين من خزانة رب العالمين أخذه عبد من عباد الله الصالحين: قال له معاوية: يا طرماح لو كان علي ما أعطاك فلسا واحدا قال: لا والله كيف له ان يعطيني مال المسلمين وهو يخشى عقوبة ربه ولا يعمل إلا بما أمر الله والمال الذي أمرت لي به ليس هو من مالك ولا من مال أبيك أبي سفيان ولا من مال جدك صخر ولا جدتك عصارة الخمر إنما هو من بعض مال المسلمين أخذت منهم بغير حق وأعطيتني إياه فإن سيدي عليا أولى به منك يدفعه إلى مستحقيه فقال