وخرجوا وخرج الطرماح حزينا مهينا حقيرا تارة يفكر في أنهم اتهموه بالسرقة واستخفوا به، وأخرى يفكر كيف يقطع سفره راجلا فانكسر قلبه ودمعت عينه وتوجه بقلبه إلى أمير المؤمنين (ع) واستغاث به، وجعل يكرر من قول عليا مظهر العجائب فلما أتو ليستلموا الناقة وإذا به قد تحول جملا.
فقال أنتم أقمتم البينة بان هذه ناقة وهي لكم ولي شاهدان عدلان بان هذا جمل وليس ناقة، فمد يديه وأخذ بخصاوي الجمل. فقال: انظروا إلى الشاهدين فتحيروا وتعجبوا من ذلك وضحك معاوية وجميع من حضر، فالتفت معاوية إلى أصحابه، وقال لو أعطيت جميع ما أملك لرجل منكم ما كان يؤدي على عشر ما أدى هذا الرجل عن صاحبه فوالله لقد أظلم الدنيا بعيني فقال له عمرو بن العاص: أتدري لماذا يا معاوية؟ لأنا تركنا الحق وراء ظهورنا إذ يدعونا علي بن أبي طالب بين المهاجرين والأنصار فتركناه واتبعناك وكل منا يتكلم على قدر صاحبه، فما عسى أن نقول فيك فما عسى أن يقول هذا الرجل في علي فهمها قال: فعلي أزيد مما يقول: فلو ان لك من للنبي صلى الله عليه وآله وسلم منزلة كمنزلة ابن عمه وكنت على الحق لأدينا أضعافا مضاعفة فقاله له معاوية رض الله فاك فوالله ان كلامك أشد علي من كلام الاعرابي وهذا مما لا شك فيه بأن معاوية أعرف من غيره بمكان علي (ع) من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومقامه عنده وماله من الفضائل والفواضل والسوابق والمناقب ولكن أقامه على العناد واللجاج والشحناء والبغضاء أمران: الأول عدم إيمانه بالله وبرسوله، والاخر حب الدنيا والمال والرياسة والسلطنة، وناهيك فيما قلنا من أنه متى ذكر عليا (ع) أو سمع مناقبه أقر وأعترف بذلك بل وربما كان يبكي ويقول: هيهات عقمت النساء ان يلدن بمثل علي بن أبي طالب وكثيرا ما كان يذكر أمير المؤمنين (ع) وأوصافه ويبكي حتى تخضب لحيته بدموعه: دخل ضرار بن ضمرة على معاوية بعد ارتحال أمير المؤمنين (ع).
فقال معاوية: يا ضرار صف لي عليا قال: أو تعفيني قال: لا أعفيك قال: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا ويتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته كان والله عزيز العبرة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه ويناجي ربه يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان والله فينا كأحدنا يدنينا إذا اتيناه، ويجيبنا