ويخبره بالغيب وكان من شأنه ما كان، فلما سمع ابن الزبير ذلك غضب غضبا شديدا وكان محمد بن الحنفية بمكة يريد الحج فأحضره بن الزبير وأشار عليه بالبيعة فأبى محمد بن الحنفية فحصره بن الزبير، ومن كان بمكة من بني هاشم في الشعب وحبسهم في ذلك المكان وجمع لهم حطبا عظيما لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد فبلغ ذلك المختار فنادى في أهل الكوفة أيها الناس قد حبس امامكم فأدركوه فجمع أربعة آلاف رجل وأرسلهم مع أبي عبد الله الجدلي إلى مكة لحرب ابن الزبير وتخليص ابن الحنفية، فجلس ابن الزبير يوما وقال بايعتني الناس ما عدا هذا الغلام يعني محمد بن الحنفية الموعد بيني وبينه إلى أن تغرب الشمس ثم أضرم داره عليه فدخل ابن عباس على ابن الحنفية، وقال يا ابن العم اني لا أمنه عليك فبايعه قال: سيمنعه عني حجاب قوي، فجعل ابن عباس ينظر إلى الشمس ويفكر في كلام ابن الحنفية، وقد كادت الشمس ان تغرب إذ وافتهم خيل أهل الكوفة مع أبي عبد الله الجدلي، فما شعر بن الزبير إلا والرايات تخفق على رأسه فجاؤوا إلى بني هاشم فأخرجوهم من الشعب وقالوا لابن الحنفية: أئذن لي فأبى، وقال: لا تقتلوا إلا من قاتلكم وخرج ابن الحنفية إلى أيلة جبل بين مكة والمدينة فأقام بها سنين حتى مات فاختلفت الكيسانية وسموا بهذا الاسم لانتسابهم إلى المختار لان اسمه الكيسان، ولقبه المختار، وكنيته أبو عمرة وهو الذي شيع هذا المذهب بين الناس فمنهم من قطع بموته، ومنهم من زعم أنه لم يمت وإنه حي في جبال رضوى، وكان كثير الشاعر كيسانيا ويقول: ان محمد بن الحنفية هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا ويقول:
ألا ان الأئمة من قريش * ولاة الحق أربعة سواء علي والثلاثة من بينه * هم الأسباط ليس بهم خفاء فسبط سبط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء وسبط لا تراه العين حتى * يقود الخيل يتبعها اللواء يغيب ولا يرى فيهم زمانا * برضوى عندهم عسل وماء ومن دخل في مذهب الكيسانية إسماعيل الحميري ويعتقد امامة محمد بن الحنفية ويقول: إنما غاب وسيظهر وله أبيات في ذلك منها:
ألا قل للوصي فدتك نفسي * أطلت بذلك الجبل المقاما وعادوا فيك أهل الأرض طرا * مغيبك عنه سبعين عاما