الايمان المغلظة ليكتمن عليه ثم لا يزداد الامر إلا شدة حتى كثر وظهرت أحاديثهم الكاذبة ونشأ عليها الصبيان يتعلمون ذلك، وكان أشد الناس في ذلك القراء المراؤون المتصنعون الذين يظهرون الخشوع والورع فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وأولدوها، فيحظون بذلك عند الولاة والقضاة ويدنون مجالسهم ويصيبون بذلك الأموال، والقطايع والمنازل حتى صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقا وصدقا، فروها وقبلوها وتعلموها وعلموها وأحبوا عليها، وأبغضوا من ردها وأوشك فيها فاجتمعت على ذلك جماعتهم وصارت في يد المتنسكين والمتدينين منهم الذين لا يستحلون الافتعال لمثلها فقبلوها مهم يرون إنها حق ولو علموا بطلانها وتيقنوا إنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها، ولم يدينوا بها ولم يبغضوا من خالفها فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلا، والباطل حقا، والكذب صدقا، والصدق كذبا.
فلما مات الحسن بن علي (ع) أزداد البلاء والفتنة فلم يبق لله ولي إلا خائف على نفسه أو مقتول أو طريد أو شريد. فلما كان قبل موت معاوية بسنين حج الحسين بن علي (ع) وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس معه، وقد جمع الحسين بن علي (ع) بني هاشم رجالهم ونسائهم ومواليهم وشيعتهم، ومن حج منهم ومن لم يحج، ومن الأمصار ممن يعرفونه وأهل بيته ثم لم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلا جمعهم فاجتمع إليهم بمنى أكثر من الف رجل، والحسين بن علي (ع) في سرادقة عامتهم التابعون وأبناء الصحابة فقام الحسين (ع) فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن هذا الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم، ورأيتم وشهدتم وبلغكم، واني أريد أن أسئلكم عن أشياء فإن صدقت فصدقوني، وان كذبت فكذبوني أسمعوا مقالتي واكتموا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فأدعوهم إلى ما تعلمون، فأني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب (والله متم نوره ولو كره الكافرون) فما ترك الحسين شيئا أنزل الله فيهم من القرآن إلا قاله وفسره، ولا شيئا قاله الرسول في أبيه وأمه وأهل بيته إلا رواه وكل ذلك يقول الصحابة اللهم نعم قد سمعناه وشهدناه ويقول التابعون، اللهم نعم قد حدثناه من تصدقه ونأتمنه حتى لم يترك شيئا إلا قاله ثم قال: أنشدكم بالله إلا رجعتم وحدثتم به من تثقون به ثم نزل وتفرق الناس عن ذلك أوق ان الخطبة ذكرناها فيما تقدم