وكان لعلماء جبل عامل السهم الأوفر في هذا المضمار، فقد هاجروا إلى إيران، وتولوا أمور الدولة، وسيروا عجلتها بما يذكر لهم في التاريخ بمداد من نور.
وكانت بلدة الشيخ - رحمه الله - تعج بالعلماء، فقد كان فيها أكثر من ثلاثين عالما، درسوا في بلدتهم، ونالوا درجة عالية في العلم، وضاقت الكرك عن طموحاتهم، وصادف ظهور الدولة الصفوية فهاجروا إلى إيران.
وفوض الشاه الصفوي إليهم تنظيم شؤون الدولة حسبما يقتضيه الشرع الحنيف، وشغل علماء جبل عامل في الدولة الصفوية مناصب حساسة مهمة منها:
الأمير، وشيخ الإسلام في أصفهان، ونائب الإمام، والمفتي، ومروج المذهب، وشيخ الإسلام في طهران.
وكان الشيخ الكركي رحمه الله على رأس المهاجرين إلى إيران في أول نشوء الدولة ونجاح الشاه إسماعيل في الاستيلاء على مقاليد الحكم، فولاه الشاه منصب شيخ الإسلام في أصفهان.
وانطلاقا من مبدأ الكلمة والمعرفة أسس المدارس لتخريج الكوادر المسؤولة عن نشر المذهب الإمامي بين الناس، وكتب إلى علماء الكرك وجبل عامل وحثهم على النهوض إليه للجهاد في نشر الدين الحنيف... ولما توافر لديه عدد من رجال الدين المخلصين أخذ يوجه النشاط الديني في إيران كلها، من خلال مجموعة علماء مؤمنة ومدربة على العمل الاجتماعي والسياسي، وعين في كل بلد وقرية إماما يعلم الناس شرائع الإسلام، ويؤمهم في الصلاة، ثم نصب نفسه لتعليم كبار رجال الدولة أمثال الأمير جعفر النيسابوري وزير الشاه، وقدم له الرسالة الجعفرية، وأمده الشاه إسماعيل بسبعين ألف دينار شرعي سنويا ليصرفها على المدارس (1)، وتخريج العلماء قادة الأمة، لأنهم أقدر على إقامة العدل وسياسة الناس، ولما تولى الشاه طهماسب سنة 930 ه، قرب المحقق الكركي، ومنحه