والشر أنصرف فيذهب به فيصرفه، فما زالوا يتفرقون عن ابن عقيل حتى أمسى وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد، فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة، فما بلغ الأبواب ومعه منهم عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه انسان فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا على الطريق ولا يدله على منزله، ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضى على وجهه مترددا في أزقة الكوفة لا يدرى أين يذهب، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا وكان بلال قد خرج مع الناس فأمه قائمة تنتظره، فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه، فقال لها يا أمة الله اسقني ماءا فسقته، وجلس وأدخلت الاناء ثم خرجت فقالت يا عبد الله ألم تشرب؟ قال: بلى قالت فاذهب إلى أهلك فسكت، ثم أعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت له في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك، فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك فقام وقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة فهل لك في اجر ومعروف ولعلي مكافيك، قالت: يا عبد الله وما ذاك؟ قال انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم قالت ادخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه، ففرشت له وعرضت له العشا فلم يتعش ولم يكن بأسرع ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه فقال لها: والله انه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه ان لك لشأنا قالت: يا بنى أعرض عن هذا قال: والله لتخبريني قالت اقبل على شأنك ولا تسألني عن شئ فألح عليها قالت يا بنى لا تخبرن أحدا من الناس شيئا مما أخبرك به، قال: نعم، فأخذت عليه الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت، فلما أصبح غدا إلى عبد الرحمن بن محمد الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فسار فعرف ابن زياد اسراره، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه قم فأتني به الساعة فقام، وبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون ان يصاب فيهم مثل ابن عقيل، فبعث عبيد الله بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رضي الله عنه، فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه قد أتى، فخرج إليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا
(١٧٥)