الحضرة وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه واجلس الرضا " عليه السلام " في الحضرة، وعليه عمامة وسيف، ثم أمر ابنه العباس المأمون يبايع له أول الناس، فرفع الرضا " عليه السلام " فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة، فقال له الرضا " عليه السلام ": ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم، ووضع المنبر وقام الخطباء والشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا " عليه السلام " وما كان من المأمون في أمره، ثم دعى أبو عباد بالعباس بن المأمون فوقف فدنا من أبيه وأمرهم بالجلوس، ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد وقال له الفضل بن سهل: قم. فقام يمشي حتى قرب من المأمون فوقف ولم يقبل يده فقيل له امض وخذ جائزتك، وناداه المأمون: لترجع يا أبا جعفر إلى مجلسك فرجع ثم جعل أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضان جوائزهم حتى نفدت الأموال، ثم قال المأمون للرضا " عليه السلام ": اخطب الناس وتكلم فيه فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ان لنا عليكم حقا برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكم علينا حق به فإذا أديتم الينا ذلك وجب علينا الحق لكم ولم يذكر عنه غير هذا المجلس، وأمر له المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسم الرضا وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد وأمره فحج بالناس وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد، وكان عبد الجبار بن سعيد يخطب في تلك السنة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة، فقال في الدعاء له ولى عهد المسلمين علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ستة آباءهم هم أفضل من يشرب صوب الغمام).
ولما جلس الرضا علي بن موسى عليه السلام في الخلع بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء وخفقت الألوية على رأسه فذكر بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا عليه السلام أنه قال: كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر إلي وانا مستبشر بما جرى فأومى إلي ان ادن فدنوت منه، فقال لي من حيث لا يسمعه غيري: لا تشغل قلبك بهذا الامر ولا تستبشر فإنه شئ لا يتم وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي فلما دخل عليه قال: انى قد قلت قصيدة، وجعلت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال له: هاتها قال: فأنشد قصيدته التي أولها: