وقد برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل، وأنشأ يقول:
أقسمت لا اقتل الا حرا * وقد وجدت الموت شيئا نكرا اكره ان ادعا جبانا فرا * ان الجبان من عصى وفرا فقتل منهم ثلاثة، ثم قتل رحمة الله عليه.
وبرز من بعده علي بن الحسين " عليه السلام "، فلما برز عليهم دمعت عين الحسين " عليه السلام " فقال اللهم كنت أنت الشهيد عليهم فقد برز ابن رسولك، وأشبه الناس وجها وسمتا به فجعل يرتجز وهو يقول:
انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي اما ترون كيف أحمي عن أبي فقتل منهم عشرة ثم رجع إلى أبيه، فقال: يا أبة العطش، فقال له الحسين " عليه السلام " صبرا يا بنى يسقيك جدك بالكأس الأوفى، فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة وأربعين رجلا ثم قتل صلوات الله عليه وعلى أبيه.
وبرز من بعده القاسم بن الحسن بن علي عليهم السلام وهو يقول:
لا تجزعي نفسي وكل فان * اليوم تلقين ذوي الجنان فقتل منهم ثلاثة، ثم رمى عن فرسه " عليه السلام " ثم جلس الحسين " عليه السلام " امام الفسطاط فأتى بابنه عبد الله بن الحسن " عليه السلام " وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بنى أسد فذبحه، فتلقى الحسين صلوات الله عليه دمه، فلما ملا كفه، صبه في الأرض وحملت الجماعة على الحسين، فغلبوه على عسكره واشتد به العطش فركب المسناة يريد الفرات فاعترضه خيل بن سعد لعنهم الله، وفيهم رجل من بنى دارم، فقال لهم ويلكم حولوا بينه وبين الماء ولا تمكنوه من الفرات، فقال الحسين " عليه السلام ": اللهم أظمئه فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه، فانتزع الحسين " عليه السلام " السهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم فرماه إلى الأرض، ولما رجع الحسين " عليه السلام " من المسناة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه، وأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن انس فشتم الحسين " عليه السلام " فضربه على رأسه بالسيف وكان على رأسه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه فامتلأت القلنسوة دما، فقال له الحسين " عليه السلام ": لا أكلت بيمينك ولا شربت بها، وحشرك الله مع الظالمين.