امرأة مات عنها زوجها ولم يكن فرض لها شيئا وكان يتردد في الجواب فلما تم الشهر قال للسائل لم أجد ذلك في كتاب الله ولا فيما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اجتهد برأيي فان أصبت فمن الله وان أخطأت فمن أم عبد وفى رواية فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان أرى لها مثل نسائها لا وكس ولا شطط فقام رجل يقال له معقل بن سنان وقال إني أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق الأشجعية مثل قضائك هذا ثم قام أناس من أشجع وقالوا إنا نشهد بمثل شهادته ففرح عبد الله رضي الله عنه فرحا لم يفرح مثله في الاسلام لموافقة قضائه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان ملك النكاح لم يشرع لعينه بل لمقاصد لا حصول لها الا بالدوام على النكاح والقرار عليه ولا يدوم الا بوجوب المهر بنفس العقد لما يجرى بين الزوجين من الأسباب التي تحمل الزوج على الطلاق من الوحشة والخشونة فلو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالي الزوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما لأنه لا يشق عليه ازالته لما لم يخف لزوم المهر فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح ولان مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل الا بالموافقة ولا تحصل الموافقة الا إذا كانت المرأة عزيزة مكرمة عند الزوج ولا عزة الا بانسداد طريق الوصول إليها الا بمال له خطر عنده لان ما ضاق طريق اصابته يعز في الأعين فيعز به امساكه وما يتيسر طريق اصابته يهون في الأعين فيهون امساكه ومتى هانت في أعين الزوج تلحقها الوحشة فلا تقع الموافقة فلا تحصل مقاصد النكاح ولان الملك ثابت في جانبها اما في نفسها واما في المتعة وأحكام الملك في الحرة تشعر بالذل والهوان فلا بد وان يقابله مال له خطر لينجبر الذل من حيث المعنى والدليل على صحة ما قلنا وفساد ما قال إنها إذا طلبت الفرض من الزوج يجب عليه الفرض حتى لو امتنع فالقاضي يجبره على ذلك ولو لم يفعل ناب القاضي منابه في الفرض وهذا دليل الوجوب قبل الفرض لان الفرض تقدير ومن المحال وجوب تقدير ما ليس بواجب وكذا لها ان تحبس نفسها حتى يفرض لها المهر ويسلم إليها بعد الفرض وذلك كله دليل الوجوب بنفس العقد وأما الآية فالنحلة كما تذكر بمعنى العطية تذكر بمعنى الدين يقال ما نحلتك أي ما دينك فكان معنى قوله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة أي دينا أي انتحلوا ذلك وعلى هذا كانت الآية حجة عليه لأنها تقتضي أن يكون وجوب المهر في النكاح دينا فيقع الاحتمال في المراد بالآية فلا تكون حجة مع الاحتمال وأما قوله النكاح ينبئ عن الازدواج فقط فنعم لكنه شرع لمصالح لا تصلح الا بالمهر فيجب المهر ألا ترى أنه لا ينبئ عن الملك أيضا لكن لما كان مصالح النكاح لا تحصل بدونه ثبت تحصيلا للمصالح كذا المهر وأما المولى إذا زوج أمته من عبده فقد قيل إن المهر يجب ثم يسقط وفائدة الوجوب هو جواز النكاح وأما الذمي إذا تزوج ذمية من غير مهر فعلى قولهما يجب المهر وأما على قول أبي حنيفة فيجب أيضا الا انا لا نتعرض لهم لأنهم يدينون ذلك وقد أمرنا بتركهم وما يدينون حتى أنهما لو ترافعا إلى القاضي فرض القاضي لها المهر وكذا إذا مات الزوجان يقضى بمهر المثل لورثة المرأة عندهما وعند أبي حنيفة إنما لا يقضى لوجود الاستيفاء دلالة لان موتهما معا في زمان واحد نادر وإنما الغالب موتهما على التعاقب فإذا لم تجز المطالبة بالمهر دل ذلك على الاستيفاء أو على استيفاء البعض والابراء عن البعض مع ما أنه قد قيل إن قول أبي حنيفة محمول على ما إذا تقادم العهد حتى لم يبق من نسائها من يعتبر به مهر مثلها كذا ذكره أبو الحسن الكرخي وأبو بكر الرازي وعند ذلك يتعذر القضاء بمهر المثل والى هذا أشار محمد لأبي حنيفة أرأيت لو أن ورثة على ادعوا على ورثة عمر مهر أم كلثوم رضي الله عنهم أكنت أقضى به وهذا المعنى لم يوجد في موت أحدهما فيجب مهر المثل * (فصل) * وأما بيان أدنى المقدار الذي يصلح مهرا فأدناه عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم وهذا
(٢٧٥)