وقال الشافعي لا يجوز الا بالحجر وجه قوله إن هذا أمر يعرف بالتوقيف والتوقيف ورد بالحصى والحصى هي الأحجار الصغار ولنا ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ارم ولا حرج وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول نسكنا في يومنا هذا الرمي ثم الذبح ثم الحلق وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من رمى وذبح وحلق فقد حل له كل شئ الا النساء مطلقا عن صفة الرمي والرمي بالحصى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنه م محمول على الأفضلية لا الجواز توفيقا بين الدلائل لما صح من مذهب أصحابنا أن المطلق لا يحمل على المقيد بل يجرى المطلق على اطلاقه والمقيد على تقييده ما أمكن وههنا أمكن بأن يحمل المطلق على أصل الجواز والمقيد على الأفضلية ولا يقف عند هذه الجمرة للدعاء بل ينصرف إلى رحله والأصل أن كل رمى ليس بعده رمى في ذلك اليوم لا يقف عنده وكل رمى بعده رمى في ذلك اليوم يقف عنده لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عند جمرة العقبة ووقف عند الجمرتين ثم الرمي ماشيا أفضل أو راكبا فقد روى عن أبي يوسف انه فصل في ذلك تفصيلا فإنه حكى ان إبراهيم بن الجراح دخل على أبى يوسف وهو مريض في المرض الذي مات فيه فسأله أبو يوسف فقال أيهما أفضل الرمي ماشيا أو راكبا فقال ماشيا فقال أخطأت ثم قال راكبا فقال أخطأت وقال كل رمى بعده رمى فالماشي أفضل وكل رمى لا رمى بعده فالراكب أفضل قال فخرجت من عنده فسمعت الناعي بموته قبل إن أبلغ الباب ذكرنا هذه الحكاية ليعلم أنه بلغ حرصه في التعليم حتى لم يسكت عنه في رقمه فيقتدى به في التحريض على التعليم وهذا لما ذكرنا ان كل رمى بعده رمى فالسنة فيه هو الوقوف للدعاء والماشي أمكن للوقوف والدعاء وكل رمى لا رمى بعده فالسنة فيه هو الانصراف لا الوقوف والراكب أمكن من الانصراف فان قيل أليس انه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه رمى راكبا وقال صلى الله عليه وسلم خذوا عنى مناسككم لا أدرى لعلى لا أحج بعد عامي هذا فالجواب ان ذلك محمول على رمى لا رمى بعده أو على التعليم ليراه الناس فيتعلموا منه مناسك الحج فان رمى احدى الجمار بسبع حصيات جميعا دفعة واحدة فهي عن واحدة ويرمى ستة أخرى لان التوقيف ورد بتفريق الرميات فوجب اعتباره وهذا بخلاف الاستنجاء انه إذا استنجى بحجر واحد وانقاه كفاه ولا يراعى فيه العدد عندنا لان وجوب الاستنجاء ثبت معقولا بمعنى التطهير فإذا حصلت الطهارة بواحد اكتفى به فاما الرمي فاما وجب تعبدا محضا فيراعى فيه مورد التعبد وانه ورد بالتفريق فيقتصر عليه فان رمى أكثر من سبع حصيات لم تضره الزيادة لأنه أتى بالواجب وزيادة والسنة ان يرمى بعد طلوع الشمس من يوم النحر قبل الزوال لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال ولو رمى قبل طلوع الشمس بعد انفجار الصبح أجزأه خلافا لسفيان والمسألة ذكرناها فيما تقدم ولا يرمى يومئذ غيرها لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم يوم النحر الا جمرة العقبة فإذا فرغ من هذا الرمي لا يقف وينصرف إلى رحله فإن كان منفردا بالحج يحلق أو يقصر والحلق أفضل لما ذكرنا فيما تقدم ولا ذبح عليه وإن كان قارنا أو متمتعا يجب عليه ان يذبح ويحلق ويقدم الذبح على الحلق لقوله تعالى ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم رتب قضاء التفث وهو الحلق على الذبح وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول نسكنا في يومنا هذا الرمي ثم الذبح ثم الحلق وروى عنه صلى الله عليه وسلم انه رمى ثم ذبح ثم دعا بالحلاق فان حلق قبل الذبح من غير احصار فعليه لحلقه قبل الذبح دم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد وجماعة من أهل العلم أنه لا شئ عليه وأجمعوا على أن المحصر إذا حلق قبل الذبح أنه تجب عليه الفدية احتج من خالفه بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل حلق قبل إن يذبح فقال اذبح ولا حرج ولو كان الترتيب واجبا لكان في تركه حرج ولأبي حنيفة الاستدلال بالمحصر إذا حلق قبل الذبح لأذى في رأسه انه تلزمه الفدية بالنص فالذي يحلق رأسه بغير أذى به أولى ولهذا قال أبو حنيفة بزيادة التغليظ في حق من حلق رأسه قبل الذبح بغير أذى حيث قال لا يجزئه غير الدم وصاحب الأذى مخير بين الدم والطعام والصيام كما خيره
(١٥٨)