عليه الجهاد ابتداء والعبد إذا شهد الوقعة لا يضرب له بسهم الحر بل يرضخ له وما افترقا الا لما ذكرنا وهذا بخلاف العبد إذا شهد الجمعة وصلى أنه يقع فرضا وإن كان لا تجب عليه الجمعة في الابتداء لان منافع العبد مملوكة للمولى والعبد محجور عن التصرف في ملك مولاه نظرا للمولى الا قدر ما استثنى عن ملكه من الصلوات الخمس فإنه مبقى فيها على أصل الحرية لحكمة الله تعالى في ذلك وليس في ذلك كبير ضرر بالمولى لأنها تتأدى بمنافع البدن في ساعات قليلة فيكون فيه نفع العبد من غير ضرر بالمولى فإذا حضر الجمعة وفاتت المنافع بسبب السعي فيعد ذلك الظهر والجمعة سواء فنظر المالك في جواز الجمعة إذ لو لم يجز له ذلك يجب عليه أداء الظهر ثانيا فيزيد الضرر في حق المولى بخلاف الحج والجهاد فإنهما لا يؤديان الا بالمال والنفس في مدة طويلة وفيه ضرر بالمولى بفوات ماله وتعطيل كثير من منافع العبد فلم يجعل مبقى على أصل الحرية في حق هاتين العبادتين ولو قلنا بالجواز عن الفرض إذا وجد من العبد يتبادر العبيد إلى الأداء لكون الحج عبادة مرغوبة وكذا الجهاد فيؤدى إلى الاضرار بالمولى فالشرع حجر عليهم وسد هذا الباب نظرا بالمولى حتى لا يجب الا بملك الزاد والراحلة وملك منافع البدن ولو أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فان مضى على احرامه يكون حجه تطوعا عندنا وعند الشافعي يكون عن حجة الاسلام إذا وقف بعرفة وهو بالغ وهذا بناء على أن من عليه حجة الاسلام إذا نوى النفل يقع عن النفل عندنا وعنده يقع عن الفرض والمسألة تأتى في موضعها إن شاء الله تعالى ولو جدد الاحرام بأن لبى أو نوى حجة الاسلام ووقف بعرفة وطاف طواف الزيارة يكون عن حجة الاسلام بلا خلاف وكذا المجنون إذا أفاق والكافر إذا أسلم قبل الوقوف بعرفة فجدد الاحرام ولو أحرم العبد ثم عتق فأحرم بحجة الاسلام بعد العتق لا يكون ذلك عن حجة الاسلام بخلاف الصبي والمجنون والكافر والفرق أن احرام الكافر والمجنون لم ينعقد أصلا لعدم الأهلية واحرام الصبي العاقل وقع صحيحا لكنه غير لازم لكونه غير مخاطب فكان محتملا للانتقاض فإذا جدد الاحرام بحجة الاسلام انتقض فأما احرام العبد فإنه وقع لازما لكونه أهلا للخطاب فانعقد احرامه تطوعا فلا يصح احرامه الثاني الا بفسخ الأول وانه لا يحتمل الانفساخ ومنها صحة البدن فلا حج على المريض والزمن والمقعد والمفلوج والشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بنفسه والمحبوس والممنوع من قبل السلطان الجائر عن الخروج إلى الحج لان الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج والمراد منها استطاعة التكليف وهي سلامة الأسباب والآلات ومن جملة الأسباب سلامة البدن عن الآفات المانعة عن القيام بما لابد منه في سفر الحج لان الحج عبادة بدنية فلا بد من سلامة البدن ولا سلامة مع المانع وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله عز وجل من استطاع إليه سبيلا ان السبيل أن يصح بدن العبد ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يحجب ولان القرب والعبادات وجبت بحق الشكر لما أنعم الله على المكلف فإذا منع السبب الذي هو النعمة وهو سلامة البدن أو المال كيف يكلف بالشكر ولا نعمة وأما الأعمى فقد ذكر في الأصل عن أبي حنيفة انه لا حج عليه بنفسه وان وجد زاد أو راحلة وقائدا وإنما يجب في ماله إذا كان له مال وروى الحسن عن أبي حنيفة في الأعمى والمقعد والزمن أن عليهم الحج بأنفسهم وقال أبو يوسف ومحمد يجب على الأعمى الحج بنفسه إذا وجد زاد أو راحلة ومن يكفيه مؤنة سفره في خدمته ولا يجب على الزمن والمقعد والمقطوع وجه قولهما ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطاعة فقال هي الزاد والراحلة فسر صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة وللأعمى هذه الاستطاعة فيجب عليه الحج ولان الأعمى يجب عليه الحج بنفسه الا انه لا يهتدى إلى الطريق بنفسه ويهتدى بالقائد فيجب عليه بخلاف الزمن والمقعد ومقطوع اليد والرجل لان هؤلاء لا يقدرون على الأداء بأنفسهم وجه رواية الحسن في الزمن والمقعد انهما يقدران بغيرهما إن كانا لا يقدران بأنفسهما والقدرة بالغير كافية لوجوب الحج كالقدرة بالزاد والراحلة وكذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة وقد وجد وجه رواية الأصل لأبي حنيفة ان الأعمى لا يقدر على أداء الحج بنفسه لأنه لا يهتدى إلى الطريق بنفسه ولا يقدر على ما لابد منه في الطريق
(١٢١)