فدخل مسجد آخر غيره من ساعته لم يفسد اعتكافه استحسانا والقياس أن يفسد وجه القياس انه وجد ضد الاعتكاف وهو الخروج الذي هو ترك الإقامة فيبطل كما لو خرج عن اختيار وجه الاستحسان انه خرج من غير ضرورة اما عند انهدام المسجد فظاهر لأنه لا يمكنه الاعتكاف فيه بعدما انهدم فكان الخروج منه أمرا لابد منه بمنزلة الخروج لحاجة الانسان واما عند الاكراه فلان الاكراه من أسباب العذر في الجملة فكان هذا القدر من الخروج ملحقا بالعدم كما إذا خرج لحاجة الانسان وهو يمشى مشيا رفيقا فان خرج من المسجد لغير عذر فسد اعتكافه في قول أبي حنيفة وإن كان ساعة وعند أبي يوسف ومحمد لا يفسد حتى يخرج أكثر من نصف يوم قال محمد قول أبي حنيفة أقيس وقول أبى يوسف أوسع وجه قولهما ان الخروج القليل عفو وإن كان بغير عذر بدليل انه لو خرج لحاجة الانسان وهو يمشى متأنيا لم يفسد اعتكافه وما دون نصف اليوم فهو قليل فكان عفوا ولأبي حنيفة انه ترك الاعتكاف باشتغاله بضده من غير ضرورة فيبطل اعتكافه لفوات الركن وبطلان الشئ بفوات ركنه يستوى فيه الكثير والقيل كالأكل في باب الصوم وفى الخروج لحاجة الانسان ضرورة وأحوال الناس في المشي مختلفة لا يمكن ضبطها فسقط اعتبار صفة المشي وههنا لا ضرورة في الخروج وعلى هذا الخلاف إذا خرج لحاجة الانسان ومكث بعد فراغه أنه ينتقض اعتكافه عند أبي حنيفة قل مكثه أو كثر وعندهما لا ينتقض ما لم يكن أكثر من نصف يوم ولو صعد المئذنة لم يفسد اعتكافه بلا خلاف وإن كإن كان باب المئذنة خارج المسجد لان المئذنة من المسجد الا ترى انه يمنع فيه كل ما يمنع في المسجد من البول ونحوه ولا يجوز بيعها فأشبه زاوية من زوايا المسجد وكذا إذا كان داره بجنب المسجد فأخرج رأسه إلى داره لا يفسد اعتكافه لان ذلك ليس بخروج الا ترى أنه لو حلف لا يخرج من الدار ففعل ذلك لا يحنث في يمينه وروى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه من المسجد فيغسل رأسه وان غسل رأسه في المسجد في إناء لا بأس به إذا لم يلوث المسجد بالماء المستعمل فإن كان بحيث يتلوث المسجد يمنع منه لان تنظيف المسجد واجب ولو توضأ في المسجد في إناء فهو على هذا التفصيل وأما اعتكاف التطوع فهل يفسد بالخروج لغير عذر كالخروج لعيادة المريض وتشييع الجنازة فيه روايتان في رواية الأصل لا يفسد وفى رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة يفسد بناء على أن اعتكاف التطوع غير مقدر على رواية الأصل فله أن يعتكف ساعة من نهار أو نصف يوم أو ما شاء من قليل أو كثير أو يخرج فيكون معتكفا ما أقام تاركا ما خرج وعلى رواية الحسن هو مقدر بيوم كالصوم ولهذا قال إنه لا يصبح بدون الصوم كما لا يصح الاعتكاف الواجب بدون الصوم وجه رواية الحسن ان الشروع في التطوع موجب للاتمام على أصل أصحابنا صيانة للمؤدى عن البطلان كما في صوم التطوع وصلاة التطوع ومست الحاجة إلى صيانة المؤدى ههنا لان القدر المؤدى انعقد قربة فيحتاج إلى صيانته وذلك بالمضي فيه إلى آخر اليوم وجه رواية الأصل ان الاعتكاف لبث وإقامة فلا يتقدر بيوم كامل كالوقوف بعرفة وهذا لان الأصل في كل فعل تام بنفسه في زمان اعتباره في نفسه من غير أن يقف اعتباره على وجود غيره وكل لبث وإقامة توجد فهو فعل تام في نفسه فكان اعتكافا في نفسه فلا تقف صحته واعتباره على وجود أمثاله إلى آخر اليوم هذا هو الحقيقة الا إذا جاء دليل التغيير فتجعل الافعال المتعددة المتغايرة حقيقة متحدة حكما كما في الصوم ومن ادعى التغيير ههنا يحتاج إلى الدليل وقوله الشروع فيه موجب مسلم لكن بقدر ما اتصل به الأداء ولما خرج فما أوجب الا ذلك القدر فلا يلزمه أكثر من ذلك ولو جامع في حال الاعتكاف فسد اعتكافه لان الجماع من محظورات الاعتكاف لقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قيل المباشرة كناية عن الجماع كذا روى عن ابن عباس رضي الله عنه ان ما ذكر الله عز وجل في القرآن من المباشرة والرفث والغشيان فإنما عنى به الجماع لكن الله تعالى حيى كريم يكنى بما شاء دلت الآية على أن الجماع محظور في الاعتكاف فان حظر الجماع على المعتكف ليس لمكان المسجد بل لمكان الاعتكاف وإن كان ظاهر النهى عن المباشرة في حال الاعتكاف في المسجد بقوله عز وجل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد لان الآية الكريمة
(١١٥)