البدن رخصة وتيسيرا ودفعا للحرج وبه تبين أن الحكم في الأصل معقول فيتعدى إلى الفرع وقوله لا نجاسة على أعضاء الوضوء حقيقة ممنوع بل عليها نجاسة حقيقية معنوية وإن كان الحس لا يدركها وهي نجاسة الحدث على ما عرف في الخلافيات وإذا عرفنا ماهية الحدث نخرج عليه المسائل (فنقول) إذا ظهر شئ من البول والغائط على رأس المخرج انتقضت الطهارة لوجود الحدث وهو خروج النجس وهو انتقاله من الباطن إلى الظاهر لان رأس المخرج عضو ظاهر وإنما انتقلت النجاسة إليه من موضع آخر فان موضع البول المثانة وموضع الغائط موضع في البطن يقال له قولون وسواء كان الخارج قليلا أو كثيرا سال عن رأس المخرج أو لم يسل لما قلنا وكذا المنى والمذي والودي ودم الحيض والنفاس ودم الاستحاضة لأنها كلها أنجاس لما يذكر في بيان أنواع الأنجاس وقد انتقلت من الباطن إلى الظاهر فوجد خروج النجس من الآدمي الحي فيكون حدثا الا أن بعضها يوجب الغسل وهو المنى ودم الحيض والنفاس وبعضها يوجب الوضوء وهو المذي والودي ودم الاستحاضة لما يذكر إن شاء الله تعالى وكذلك خروج الولد والدودة والحصا واللحم وعود الحقنة بعد غيبوبتها لأن هذه الأشياء وإن كانت طاهرة في أنفسها لكنها لا تخلو عن قليل نجس يخرج معها والقليل من السبيلين خارج لما بينا وكذا الريح الخارجة من الدبر لان الريح وإن كانت جسما طاهرا في نفسه لكنه لا يخلو عن قليل نجس يقوم به لانبعاثه من محل الأنجاس وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا وضوء الا من صوت أو ريح وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول أحدثت أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (وأما) الريح الخارجة من قبل المرأة أو ذكر الرجل فلم يذكر حكمها في ظاهر الرواية وروى عن محمد أنه قال فيها الوضوء وذكر الكرخي أنه لا وضوء فيها الا أن تكون المرأة مفضاة فيخرج منها ريح منتنة فيستحب لها الوضوء وجه رواية محمد أن كل واحد منهما مسلك النجاسة كالدبر فكانت الريح الخارجة منهما كالخارجة من الدبر فيكون حدثا وجه ما ذكره الكرخي أن الريح ليست بحدث في نفسها لأنها طاهرة وخروج الطاهر لا يوجب انتقاض الطهارة وإنما انتقاض الطهارة بما يخرج بخروجها من أجزاء النجس وموضع الوطئ من فرج المرأة ليس بمسلك البول فالخارج منه من الريح لا يجاوره النجس وإذا كانت مفضاة فقد صار مسلك البول ومسلك الوطئ مسلكا واحدا فيحتمل أن الريح خرجت من مسلك البول فيستحب لها الوضوء ولا يجب لأن الطهارة الثابتة بيقين لا يحكم بزوالها بالشد وقيل إن خروج الريح من الذكر لا يتصور وإنما هو اختلاج يظنه الانسان ريحا هذا حكم السبيلين فاما حكم غير السبيلين من الجرح والقرح فان سال الدم والقيح والصديد عن رأس الجرح والقرح ينتقض الوضوء عندنا لوجود الحدث وهو خروج النجس وهو انتقال النجس من الباطن إلى الظاهر وعند الشافعي لا ينتقض لانعدام الخروج من السبيلين وعند زفر ينتقض سواء سال أو لم يسل بناء ما ذكر فلو ظهر الدم على رأس الجرح ولم يسل لم يكن حدثا عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يكون حدثا سال أو لم يسل بناء على ما ذكرنا أن الحدث الحقيقي عنده هو ظهور النجس من الآدمي الحي وقد ظهر وجه قوله إن ظهور النجس اعتبر حدثا في السبيلين سال عن رأس المخرج أو لم يسل فكذا في غير السبيلين (ولنا) أن الظهور ما اعتبر حدثا في موضع ما وإنما انتقضت الطهارة في السبيلين إذا ظهر النجس على رأس المخرج لا بالظهور بل بالخروج وهو الانتقال من الباطن إلى الظاهر على ما بينا كذا ههنا وهذا لان الدم إذا لم يسل كان في محله لان البدن محل الدم والرطوبات الا انه كان مستترا بالجلدة وانشقاقها يوجب زوال السترة لا زوال الدم عن محله ولا حكم للنجس ما دام في محله الا ترى انه تجوز الصلاة مع ما في البطن من الأنجاس فإذا سال عن رأس الجرح فقد انتقل عن محله فيعطى له حكم النجاسة وفي السبيلين وجد الانتقال لما ذكرنا وعلى هذا خروج القئ ملء الفم أنه يكون حدثا وإن كان أقل من ملء الفم لا يكون حدثا وعند زفر يكون حدثا قل أو كثر ووجه البناء على هذا الأصل أن الفم له حكم الظاهر عنده بدليل أن الصائم إذا تمضمض لا يفسد صومه فإذا وصل القئ إليه فقد
(٢٥)